الأزمة اللبنانية.. خيارات غامضة!

الرياضة 2019/12/06
...

بيروت/جبار عودة الخطاط
 
بالرغم من الإعلانِ الرسميّ من قبل قصر بعبدا أن الاثنين المقبل سيشهد الاستشارات الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة،  إلاّ أن شكوكاً كثيرة أبداها ساسة ومراقبون حيال ذلك، كما أن التوافق على تسمية رجل الأعمال المرشح لخلافة رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري لم يحسم بعد وشابه الكثير من الشكوك والمواقف الصادرة عن شخصيات تتمتع بثقل كبير في الشارع السياسي مثل رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق نجيب ميقاتي الذي أعلنها صراحة بأنه لا يسير مع خيار الخطيب بل يختار سعد الحريري في عملية الاستشارات.
تأرجح الخيارات
وهكذا يبدو أن حظوظ سمير الخطيب بعيدة عن رئاسة الحكومة المرتقبة ، في ضوء المعطيات السياسية والجماهيرية الضاغطة بهذا الاتجاه؛ فرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري كما تفيد مصادر مطلعة في دهاليز التباحث لبلورة رئيس جديد للحكومة، غير مستعد في الوقت الحاضر للتفريط بموقعه له أو لغيره من دون الحصول على ضمانات مؤكدة من الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) تجعله في وارد الاطمئنان بشأن عودته الى سدة الرئاسة بعد انتهاء المدة الانتقالية لحكومة رئيس جديد للحكومة، التي يقدرها مراقبون بأنها لن تتجاوز سبعة أشهر، والثنائي الشيعي بدوره غير مستعد لخوض هذا المعترك مع الخطيب أو أي شخصية اخرى غير الحريري، على الرغم من وصول تأكيدات خليجية وفرنسية وروسية بتسهيل المهمة السياسية والاقتصادية لأي رئيس حكومة يحظى باختيار الحريري.
 
العودة للحريري
معلومات مؤكدة أفادت لـ «الصباح» بأن حزب الله حتى الآن لديه مساعٍ حقيقية مدفوعة برغبة بإعادة تسمية سعد الحريري لتجنيب البلاد ارتدادات شعبية يمكن أن تنجم عن ردود أفعال من (الشارع السني) الموالي للحريري.. لذا لم تنقطع زيارات حسن الخليل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله بمعية المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب الوزير علي حسن خليل  لبيت الوسط واللقاء بالحريري لهدف لم يعد خافيا، وقد أفصح عنه  نبيه بري  رئيس مجلس النواب  اللبناني و "السعي لاقناع الشيخ سعد بالتكليف قبل الانتقال الى أي خيار آخر" .. وهذا يعني أن خيار إعادة سعد الحريري هو الخيار الأسلم والأرجح لدى الثنائي الشيعي ولا سيما حزب الله رغم إعلان المصادر المحسوبة عليهما التي أكدت أن الحزبين سوف يسميان سمير الخطيب يوم الاستشارات المزمع إجراؤها الاثنين المقبل.
 
كلمة الشارع
إذن  فرضية عودة الحريري لم تسقط ولعلها تستمد قوتها من مواقف الثنائي الشيعي ورفض الشارع لتسمية الخطيب وهي فرضية لا يمكن الغاؤها في الأيّام  المتبقية بحيث يصار الى العودة مجدداً الى الحريري خاصة وان مجموعات الحراك الشعبي تتهيأ لاستنفار شعبي واسع لمواجهة تسمية الخطيب وهو ما يخشاه مركز صناعة القرار في بيروت رغم الإشارات التي تفيد أن مباركة الحريري لترشيح الخطيب ستهدئ من سخط الشارع السني وأن التوافق عليه سيدفع حزب القوات الى تهدئة الشارع المسيحي بيد أن واقع الأمر لا يشير الى أن بوصلة  الشارعين السني والمسيحي تسير على وفق ذلك.. في هذا السياق تظاهر مساء الخميس وصباح أمس الجمعة مجموعة من الناشطين للاحتجاج أمام منزل المرشح لرئاسة الحكومة سمير الخطيب في المنارة، ورددوا هتافات رافضة لتكليف الخطيب بتشكيل الحكومة الجديدة.
 
شروط الحريري
الوزير السابق وئام وهاب أكد أن الحريري وافق على عودته لرئاسة الحكومة الجديدة بشرط أبلغه للثنائي الشيعي وهو خروج وزير الخارجية المستقيل جبران باسيل من تشكيلة الحكومة الجديدة كما أفادت  مصادر مطلعة على أن  سعد الحريري اشترط  في لقاءاته التي أجراها في الأيام الأخيرة بأنه لا مانع لديه أن يدعم  التسوية كما رُسم لها وتسمي كتلة المستقبل رجل الأعمال سمير الخطيب لرئاسة الحكومة الجديدة.
وأشارت المصادر إلى أن الحريري اشترط ألا يكون هناك أي وزير من الوزراء السابقين في الحكومة الحالية، كما طلب ألا يكون وزراء الدولة من النواب.
بينما تفيد معطيات قدمتها مصادر أخرى بأن رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري دخل على خط التوافق على الخطيب مستنداً إلى مستجدات لبنانية وخارجية حجّمت هامش المناورة أمامه. ووفقاً لتلك المعلومات، فإن رسائل دولية وصلت الى بيروت وأبلغت إلى المعنيين بمن فيهم الحريري بضرورة الإسراع في تأليف الحكومة برئاسته أو 
برئاسة غيره .
 
عون يراقب
الرئيس اللبناني من جهته يراقب المشهد باهتمام بالغ من قصر بعبدا، إذ دعا في وقت سابق إلى الاستشارات النيابية الملزمة يوم الاثنين المقبل، وهو يسعى للاستفادة القصوى من هامش الأيّام  المتبقية لمزيد من التشاور والمتابعة لإنضاج صورة التكليف لأن التفاصيل الخاصة  بحسم التوافق على اختيار الخطيب لم تنضج بعد، فرئيس الجمهورية يرغب في التوصل الى تفاهم تمهيداً لاستشارات تسمي سمير الخطيب أو أي شخص آخر يشكل بديلا عنه في حال استجدت معطيات جديدة وتكررت سيناريوهات الحرق السابقة وفي كل حال، يوم الإثنين المقبل  سيكون الفيصل، اذا حصلت الاستشارات النيابية الملزمة  فعلاً وقتها ستخرج بتسمية الخطيب أو سواه لتأليف الحكومة التي  لا تبدو ولادتها سهلة كما هو واضح، بينما يبدو موقف التيار الوطني الحر الذي يتزعمه عون هو أميل للتمثل في الحكومة الجديدة باخصائيين قريبين من التيار، وإن كان موقف التيار يبدو غير نهائي لجهة أن يعود ويتمثل بسياسي.
 
تسمية الحريري
الى ذلك قال رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي " إن كتلة الوسط المستقل" اتخذت قرارا بتسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة لكي يكمل المسيرة التي يقودها منذ ثلاث سنوات عند التسوية الرئاسية ، لأننا لسنا في مرحلة تسمح باجراء تجارب.
وفي حديث تلفازي مساء الخميس سئل عن إمكان ترشيح المهندس سمير الخطيب فاجاب" الخطيب يملك كل مقومات الاحترام، ولكن مقومات حمل الاعباء في هذه الظروف السياسية أمر آخر،فالمرحلة الحالية صعبة ولا يكلّف الله نفسا الا وسعها"
وتبقى عناصر ترشيح سمير الخطيب لم تكتمل حتى اللحظة وهناك حاجة لمزيد من المشاورات.
وتفيد مصادر  مطلعة بأن مدة 24 ساعة القادمة ستفصح عن مجريات الأمور ، فإما يكون سمير الخطيب المرشح الوحيد أو تحترق ورقته كما أحترقت ورقة الصفدي  ويعود البحث بخيار آخر ، فإما نعود الى الرئيس سعد الحريري أو يكون هناك مرشح آخر الذي قد يكون النائب فؤاد مخزومي الذي تأكد لقاؤه في روما ليل الخميس مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
 
انتظار ما سيحدث!
هذا وكشف رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهاب عن أن "الاستشارات النيابية قد لا تحصل يوم الإثنين وما إذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري سيكمل بتسمية سمير الخطيب،  خصوصا أن هذا الأمر هو شرط أساسي لاستكمال الاستشارات"، مشيرا الى "أننا ننتظر ماذا سيحصل من تحركات في الشارع يومي السبت والأحد".
ولفت وهاب الى أنه ليس مقتنعا "بكثير من الأمور التي تحصل لكن ماذا بيدي أن أفعل وليس لدي سوى موقفي"، معلنا أنه "مع بقاء الحريري رئيسا للحكومة رغم اعتراضي وملاحظاتي عليه، فنحن وقعنا والآن يجب أن نحاول الخروج لذلك نحتاج الى حكومة لديها مصداقية"
وأشار الى أن "رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل طرح 20 اسما لرئاسة الحكومة من بينها محمد الصفدي والخطيب، بينما قد يكون رئيس الجمهورية ميالاً إلى رئيس حزب "الحوار" فؤاد مخزومي لرئاسة الحكومة  وهو يمتلك شرعية في بيئته السنية وليس متورّطا في الفساد"، كاشفا عن أن "الوزير محمد فنيش سيبقى وزيرا واسمه يكسر القرار الأميركي بينما لن يكون باسيل موجوداً فيها أما علي حسن خليل فرئيس مجلس النواب نبيه بري مصرّ عليه وأنا لو كنت مكانه فلن أسميه".
 
عاصفة الانهيار
على صعيد متصل لفت رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع إلى أن "المحظور وقع واصبح لبنان في وسط عاصفة الانهيار المالي والاقتصادي، وذلك بعدما كانت بوادر ومؤشرات هذا الانهيار واضحة منذ فترةٍ طويلة، ولكن من دون ان تُبادر الأكثرية الوزارية الى اتخاذ اي خطوةٍ اصلاحية جديّة، لا بل امعنت في سلوكها السابق مُسرّعةً من عجلة الانهيار".
وفي مؤتمر صحفي بعد اجتماع تكتل "الجمهورية القوية"، مساء الخميس أشار جعجع إلى أن "الكارثة الاقتصادية الاجتماعية التي لطالما حاولنا تنبيه القيّمين على مقدرات البلاد منها حلّت، من دون ان نحصد بالمقابل سوى التجاهل والاتهامات والتهميش والتخوين والاستبعاد وما كان بالإمكان تداركه بالقليل من الخطوات الاصلاحية والمبادرات السياسية، بات اليوم تلزمه عملية إنعاش فورية، وخطة انقاذية  جبارة"
من جانبه أكد الرئيس فؤاد السنيورة في بيان له:"نحن رؤساء الحكومات السابقين ما زلنا بانتظار القيام بالاستشارات الملزمة"، داعيا الجميع الى ادراك أن هناك متغيرات في لبنان.
وأشار السنيورة الى أن على "الجميع أن يدرك ان هناك أمرا تغير في لبنان ولم يعد بالامكان الاستمرار بصيغة حكومة الوحدة الوطنية التي قتلت آليات النظام الديمقراطي في لبنان".
وردا على سؤال حول ملف الاستشارات وتأليف الحكومة قال السنيورة:"أنا أعتقد أن رئيس الجمهورية خالف الدستور وندعو للعودة الى احترام الدستور ووقف السجال".
وردا على سؤال حول ما اذا كان يفضل اسم الحريري لرئاسة الحكومة قال: "أنا افضل هذا الأمر لأنني اعتقد انه لا يمكن لشخص لم يخبر العمل الحكومي أن يتولى 
رئاسة الحكومة." 
 
انتحار واحتجاح
كل هذه التقاطعات السياسية تجري في وقت يغلي فيه الشارع جراء الغلاء الفاحش والأزمة الاقتصادية الخانقة فقد أقدم نزيه عون البالغ من العمر 56 سنة على الانتحار في بلدة تبنين الجنوبية يوم الخميس لتكون ثاني حالة انتحار في غضون ثلاثة أيام.
وقد أشارت المعلومات الى أن نزيه  يعاني من البطالة وهو  رب أسرة ووجد نفسه في عجز تام عن توفير مستلزمات معيشة عائلته المنكوبة هذا وحضرت القوى الأمنية والادلة الجنائية الى مكان الانتحار المؤسف.