ينظرُ مجلسُ النواب حاليا في مشروع «قانون انتخابات مجلس النواب» المرسل اليه من مجلس الوزراء بتاريخ 13 تشرين الثاني. وهو ليس مشروع قانون الانتخابات الموحد الذي اعدته رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء بتاريخ 7 تشرين الثاني. ومن التقارب بين التاريخين يتضح ان الطرفين كان يشتغل كل منهما على حدة على مشروع لقانون الانتخابات من دون التنسيق بينهما. وبين المشروعين خلافات في الشكل والمضمون لا ضرورة للتطرق لها في هذا المقال. لا شك في ان مسارعة الطرفين الى اعداد مشروع قانون الانتخابات الجديد جاءت بسبب مطالبات المرجعية الدينية منذ عام 2018 وضغط التظاهرات الاحتجاجية منذ الاول من تشرين الاول بضرورة تشريع قانون عادل ومنصف للانتخابات. وقد شرحت المرجعية الدينية خصائص القانون العادل والمنصف بالنقاط التالية:
اولا، ان يعيد ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية.
ثانيا، ان لا يتحيز للأحزاب والتيارات السياسية.
ثالثا، ان يمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية اذا أراد الشعب تغييرها واستبدالها بوجوه جديدة.
رابعا، يكون مرضياً للشعب.
خامسا، ان تعبر نتائج الانتخابات وفق القانون بصدق عن إرادة الشعب العراقي.
واعلنت المرجعية ان إقرار قانون لا يمنح مثل هذه الفرصة للناخبين لن يكون مقبولاً ولا جدوى منه.
ولا يغيب عن الذهن ان هذا التشدد بشروط قانون الانتخابات المأمول سببه الاهمية القصوى له في بناء الحياة السياسية في البلد. قانون الانتخابات يجسد الية تعيين النواب في مجلس النواب؛ يمثل طريقة حصول النواب على مقاعدهم النيابية؛ يشكل الباب الذي تدخل منه رياح التغيير في المجتمع والدولة والحياة السياسية. علما ان رب العمل في ما يتعلق بمجلس النواب هو الشعب نفسه والمرشحون هم طالبو التوظيف لدى الشعب؛ وعليه فمن الاهمية بمكان، بل من الضرورة القصوى ان يقبل الشعب بقانون الانتخاب الذي سيحدد من سوف يمثل الشعب، ولا يعقل تعيين ممثلي الشعب بطريقة لا يرتضيها الشعب!
الحقيقة، بدون تزويق، هي ان الشعب لم يعد يثق بالطبقة السياسية الحاكمة الان، حقا او باطلا، بتظاهرات او غيرها، هذه هي الحقيقة العارية. ولذا فان الشعب لن يرتضي بأقل من قانون يضمن له استبدال الطبقة السياسية دستوريا وديمقراطيا ما دام ذلك ممكنا. والاحتمال الاخر القائم هو ان الشعب اذا فقد الايمان بامكانية تحقيق التغيير بهذه الطريقة، فقد يلجأ الى طرق اخرى تتجاوز “الشرعية الدستورية”. مشروع القانون الحالي لا يحقق هذا الهدف، رغم انه ينطوي على تنازلين جزئيين هامشيين يستهدفان تسهيل مرور القانون. التنازل الاول جاء في المادة 9 من القانون التي ذكرت الاشخاص الذين لا يحق لهم الترشيح وهم: رئيس الجمهورية ونوابه، رئيس مجلس الوزراء ونوابه، الوزراء، رؤساء الهيئات المستقلة، والجهات غير المرتبطة بوزارة ونوابهم، وكلاء الوزارات، المستشارون، المحافظون ونوابهم، رؤساء واعضاء مجالس المحافظات، اصحاب الدرجات الخاصة، المدراء العامون الذين لم تمض على تركهم المنصب سنتان، القضاة واعضاء الادعاء العام، افراد القوات المسلحة والاجهزة الامنية الذين لم يستقيلوا قبل 6 اشهر من فتح باب الترشيح، اعضاء مجلس المفوضية وشاغلو المناصب العليا فيها، موظفو المفوضية الذين لم يتركوا المفوضية قبل سنة. القائمة طويلة فعلا، وتعبر، كما قلت عن تنازل جزئي قدمته الطبقة السياسية. لكن ماذا ينقصها؟ والجواب هو: النواب! لم تقدم الطبقة السياسية هذا التنازل، وهو الاولى بان يقدم. لان مشكلة الشعب مع الطبقة السياسية كما يتذكر الناس بدأت مع النواب. واذا لم يشملهم التغيير فكأننا لم نفعل شيئا. فاذا عاد النواب الى مقاعدهم التشريعية فسوف يقومون باعادة اصحابهم الى مواقعهم التنفيذية! مكر ذكي لكنه مكشوف!!
اما التنازل الثاني فقد جاء في المادة 15 التي حددت النظام الانتخابي، اي طريقة توزيع الاصوات. فبدلا من نظام سانت ليغو سيئ السمعة، والذي تخلى عنه مشروع القانون، فقد جاءتنا الطبقة السياسية ببدعة المناصفة، حيث قسمت الاصوات مسبقا بين مرشحيها ومرشحي الشعب مناصفة، واذا بقيت اصوات تائهة من حصة الشعب فانها تذهب الى مرشحي الطبقة السياسية. ولدينا على هذه المادة ملاحظات جوهرية اهمها:
اولا، ان اصل المناصفة اعتباطي. فما هو الاساس العلمي الذي تم بموجبه اعتماد المناصفة؟
ثانيا، ان المنافسة ستكون غير عادلة بين مرشحي الشعب ومرشحي الطبقة السياسية.
ثالثا، اعطاء المقاعد الشاغرة لمرشحي الطبقة السياسية. ولهذا قلت ان النصف الاول سوف يأكل النصف الثاني!
اما التنازلات التي لم تقدمها الطبقة السياسية فهي:
اولا، لم تعترف باسلوب الانتخاب الفردي، واصرت على اسلوب الانتخاب بالقائمة الذي قلنا انه امضى سلاح للمحافظة على الاقطاعيات السياسية. ثانيا، لم تأخذ بمبدأ الدوائر الانتخابية المناطقية المساوية من حيث العدد لعدد النواب. وابقت على الدوائر على مستوى المحافظات. وفوق كل هذا، وضعت الطبقة السياسية لغما قابلا للانفجار في مشروع القانون تمثل في المادة 13 التي حددت عدد النواب بـ 251 عضوا، وهذا نص يتطلب اجراء تعديل دستوري قبل ان يكون بالامكان تمريره. وهذا يعني اما الغاء هذه المادة، او تأجيل تمرير مشروع القانون لحين تعديل الدستور.
والنتيجة، ان مشروع القانون لا يحقق شروط القانون العادل والمنصف