بين رافضٍ للتعديلِ الأخيرِ الذي أُجري على قانون التقاعد الموحد وبين مؤيد لهذا الموضوع تباينت الآراء، اذ يقول العشريني مصطفى خليل الذي تخرج في الجامعة قبل اربع سنوات ولم يجد فرصة عمل للآن بوجه مستبشر:
«ان التعديلات التي تجرى على القوانين من شأنها أن تفسح المجال للطاقات الشبابية، لاسيما قانون التقاعد الموحد الذي سيتيح الفرصة للشباب بأن يزجوا في سوق العمل الحكومية على وجه الخصوص، وبالتالي يأخذون فرصتهم ويطبقون ما تعلموه في دراستهم الاكاديمية.
مشيرا الى ان استثناء القانون لمجموعة من التخصصات التي تعد مهمة جدا وحيوية، ومنها الاطباء والقضاة والطيارون، هو امر يصب بالتأكيد في مصلحة المجتمع.
المصادقة على القانون
أكدت اللجنة القانونية البرلمانية قبل ايام ان قانون التقاعد الموحد الذي صوت عليه مجلس النواب في وقت سابق سيكون ساري المفعول مع بداية العام المقبل، وفي حال وجود ملاحظات او رؤية لدى رئاسة الجمهورية بشأن بعض مواده، فمن الممكن ارسال مشروع القانون الى البرلمان يتضمن تلك المواد لتشريعه وفق الاطر المعمول بها قانونيا.
أنظمة عالمية
تبين التقارير والدراسات المختلفة ان التقاعد هو النقطة التي يتوقف الشخص فيها عن العمل تمامًا، تتم إحالة العديد من الناس اليه عندما يصبحون غير مؤهلين للعمل بسبب كبر السن ويحصل في أغلب الدول على نصف الراتب الذي كان يأخذه أثناء العمل، ويذكر ان ألمانيا هي أول دولة تدخل نظام التقاعد.
في الوقت الحاضر لدى معظم البلدان المتقدمة أنظمة لتوفير معاشات التقاعد التي قد تكون برعاية من قبل أرباب العمل أو الدولة، وهو امر مذكور ويعد حقا طبيعيا في الدساتير، كما يؤكد تقريرٌ دولي أن نظامَ المعاشات التقاعدية في السويد يعدُّ واحداً من أفضل خمسة أنظمة في العالم على الرغم من وجود إمكانية لتحسين هذا النظام وتطويره.
ويضع مؤشر المعاشات العالمي الذي تعده شركة «ملبورن ميرسر» نظام المعاشات السويدي في المركز الخامس بعد هولندا والدنمارك وأستراليا وفنلندا، ويستخدم المسح الذي يغطي أكثر من ثلثي السكان في العالم من 37 دولة، ويستخدم 40 معياراً تقييمياً لمعرفة مدى تلبية النظام التقاعدي لشروط الحياة الكريمة بالنسبة للمتقاعدين، ووفق المؤشر المذكور فإن نظام التقاعد في السويد، يعدّ نظاماً متكاملاً ويشمل المواطنين والمقيمين الأجانب على حد سواء، كما أنّه يشمل أولئك الذين لم يعملوا في حياتهم ابدا، ويملكُ النظام التقاعدي في السويد «بنية سليمة وشاملة» مع الكثير من الامتيازات الجيدة للمتقاعدين من حيث اشتماله على راتب تقاعدي ثابت ومساعدات سكن ورعاية طبية مجانية، لكن على الرغم من كل ذلك فقد تم تصنيفه وفق المؤشر المذكور، من فئة «ب» ويحتاج لبعض التحسينات ليلحق بالبلدان التي تنتمي للفئة «أ، ووفق التصنيف العالمي المذكور فإن هولندا والدنمارك هما الدولتان الوحيدتان، التي منحتا درجة «أ» حيث تعتمد الدولتان أفضل نظام تقاعدي ومعاشات على مستوى العالم، من حيث مستوى ونوع الخدمات وقيمة رواتب التقاعد، وفي ما يتعلق بالسويد فإن انتقاداتٍ عديدة ًتعرض لها نظام التقاعد في البلاد مؤخراً، فوضعية المتقاعدين في السويد تُوصف بالصعبة جداً منذ عام 2015، والمعاشات التقاعدية الأساسية التي يحصل عليها السويديين غير كافية ولا تسد كل نفقات الحياة اليومية للمتقاعدين.
قراءة مالية
المستشار بالشؤون المصرفية والمالية والذي فضل عدم الكشف عن اسمه اكد ان قانون التقاعد الموحد يفتقر الى الرصانة وذلك لاجباره الموظف على التقاعد قبل ثلاث سنوات من استحقاقه، وبالتالي ستخسر المؤسسات كفاءات مهنية كبيرة، فضلا عن زيادة عدد المتقاعدين الذين سيستنزفون ميزانية الدولة، وكذلك السرعة التي تم سن فيها هذا القانون غير صحيحة ولا تخدم الصالح العام، يضاف الى ذلك الراتب المعاشي الذي يبلغ 500 الف
دينار يعد غير كاف لسد الاحتياجات والمتطلبات. واشار الباحث بالشؤون الاقتصادية والاكاديمي الدكتور عبيد محل الى ان اقرار قانون التقاعد بصيغته الحالية يفتح الباب لخسارة الكفاءات وليس فرصا تمنح للخريجين، فعوضا عن اقرار هذا القانون كان لابد من التقليل من اعداد الفائضين والبطالة المقنعة داخل الدوائرالحكومية التي قد تصل في كثير من الاحيان الى 30 او 60 بالمئة، وكذلك من الحلول المقترحة تفعيل دور القطاع الخاص والمعامل والمصانع المختلفة، مع ضرورة حماية المنتوج الوطني واسناده بجملة من القوانين والاجراءات التي تمنح هذا المنتوج حرية الانتشار في الاسواق عوضا عن المستورد الذي يباع باسعار زهيدة، لذلك لابد من حماية المنتجات الوطنية اسوة بدول العالم المتطورة التي تحافظ على اقتصادها وتسعى الى تطويره، علما ان الدول التي تصدر منتجاتها الى العراق تعمد الى خفض اسعار منتجاتها كي تكسب المستهلكين، لذلك من الضروري تشجيع المنتج الوطني.
أسباب موجبة
بينما يرى عميد كلية القانون في جامعة القادسية الدكتور ميري الخيكاني ان تعديل قانون التقاعد يحمل في طياته الكثير من الايجابيات ومنها توفير فرص عمل متعددة للشباب، فضلا عن معالجته لمشكلات الفصل والعزل والاقالة واصحاب العقود ممن تجاوزوا سن الستين عاما من وضع حلول لوضعهم.
ولكن في الوقت ذاته كان الاساتذة الجامعيون ينتظرون من القانون انصافهم اكثر اسوة بالسجناء السياسيين وذوي الشهداء ممن تجاوزا الستين عاما ومنحهم تمديدا لمدة خمسة اعوام، وفي الوقت نفسه فان هذا القانون قد يكون سببا لخسارة التخصصات النادرة والمهمة على سبيل المثال الفيزياء والكيمياء وغيرها من المجالات المهمة.
ويشير الخيكاني الى ان ما يروج في وسائل الاعلام وبعض المختصين بالشؤون المالية والاقتصادية بان زيادة عدد المتقاعدين ستؤدي الى ارهاق الميزانية المقبلة للدولة هو امر غير صحيح، لأن التوقيفات التقاعدية التي يتم خصمها من رواتب الموظفين شهريا تكفل للمتقاعد حقه في ما بعد، حيث ان هيئة التقاعد تحتفظ بهذه المبالغ وبالتأكيد ستوفرها للمتقاعدين حال انجاز معاملاتهم التقاعدية.
ورحب الخيكاني باقرار القانون وعده خطة اصلاحية كفيلة بجلب الدماء الجديدة الى مفاصل الدولة المختلفة ومنح الشباب الفرصة للتعلم وكسب الخبرات اسوة بزملائهم الاكبر سنا الذين كانوا يديرون القطاعات المختلفة في المؤسسات الحكومية، لذلك لابد من التحلي بالجرأة وفسح المجال للخريجين كي يأخذوا اماكنهم ويساعدوا في بناء الوطن.