الأزمة اللبنانية تواصل تفاقمها وباريس تقدم دعماً مشروطاً
الرياضة
2019/12/13
+A
-A
بيروت/ جبار عودة الخطاط
الأزمة اللبنانية الحادة ما زالت تلقي بظلالها الكثيفة على مختلف قطاعات الحياة اليومية في لبنان.. فالحراكُ المحتجّ ما زال يتشبث بمطالبه الداعية الى تشكيل حكومة لبنانية تلبي تطلعات الشارع المنتفض، بينما ما زال الساسة في لبنان يتجاذبون أطراف الصراع المحتدم وكل فريق ينحي باللائمة على الفريق الآخر، والتوافق على تكليف رئيس جديد للحكومة بعيد المنال حتى الآن.
المجتمع الدولي كما يبدو لم يعد يتفرج ودخل بقوة على خط الأزمة في مسعى منه لحلحلة المعضلة الجاثمة على مقاليد الأمور في بيروت، وهذا ما لمسناه في اجتماع الدول الداعمة للبنان في باريس، غير أن الدعم الذي يتطلع اليه اللبنانيون كما أفاد بيان المجتمعين في العاصمة الفرنسية هو دعم مشروط بتشكيل الحكومة فضلاً عن المسارعة بإجراء الإصلاحات البنيوية المطلوبة في المنظومة الحكومية.. لبنان يحتضن أكثر من مليون و250 الف نازح سوري، الى جانب 300 الف لاجئ فلسطيني، وهؤلاء يمكن أن يشكلوا موجات نزوح كبيرة باتجاه أوروبا في حالة تفاقم الوضع أكثر في لبنان، الأمر الذي يشكل هاجسا لا يستهان بمحاذيره لدى العواصم الأوروبية لاسيما في باريس ومدريد..
احتجاج الشارع
الشارع اللبناني من خلال المشاركين في فعالياته الجماهيرية الصاخبة يرى أن “الطبقة السياسية تعيش في واد آخر” وهي غير ملتفتة لوجع الشعب لهذا قام محتجون صباح أمس بقطع طريق جل الديب شمال بيروت، احتجاجا على ما وصفوه بــ”أداء الطبقة السياسية الحاكمة”.
المحتجون سارعوا الى قطع الطريق بالاتجاهين عبر ركن السيارات وسط الطريق ورصف مستوعبات القمامة وسط الشارع، وحاول الجيش اللبناني فتح الطريق ما أدى إلى وقوع تدافع بين المتظاهرين، كما اعتقل الجيش ستة أشخاص متواجدين في المكان، بينما اقتحم شباب من مجموعات الحراك مبنى مؤسسة الاتصالات اللبنانية (اوجيرو الرئيسي) في بئر حسن، احتجاجا على (فساد المؤسسة) واطلقوا من الداخل هتافات ضد الخصخصة والسرقة والفساد، وطالت المجموعة بهتافاتها المحتجة المدير العام لاوجيرو عماد كريدية، كما شهدت مناطق طرابلس وجونية والناعمة في جبل لبنان حركة احتجاجات وتظاهرت تطالب بمكافحة الفساد ومعالجة الازمات الحياتية
المتفاقمة.
تراشق التيارين
الأزمة السياسية بين كل من التيار الوطني الحر الذي يتزعمه الرئيس ميشال عون وتيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري لم تعد تدور في الصالونات المغلقة، إذ طفحت مفاعيلها على السطح وجاءت تصريحات وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، الخميس، في هذا السياق، التي وجه فيها انتقادات لاذعة للحريري، ففي مؤتمر صحفي له لفت باسيل إلى أن “التيار الوطني الحر” نسج اتفاقا في العام 2016 قام على تقوية الدولة وليس على اساس التسويات، وهذا الاتفاق حرر لبنان من الارهاب وثبت الامن، واوصل قانون انتخاب وشكل حكومات متوازنة لاول مرة، واوجد موازنات واطلق مشاريع عديدة على راسها النفط والغاز”، مشيراً إلى أنه “يجب ان نعترف بان هذا الاتفاق فشل بتأمين ابسط حقوق الناس مثل البنى التحتية وامور كثيرة، وهذا الفشل يدفع ثمنه الشعب اللبناني والعهد والقوى السياسية ومن ضمنها نحن”.
أسباب الانهيار
وأشار باسيل إلى “اننا ندفع الثمن لان الناس نظرت للتفاهم على ان هناك مصالح بيني وبين رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، ليس الوقت لتبرير الذات، لو كنت فعلا شريكا لمنظومة الفساد، فهل كنت تعرضت للاغتيال السياسي من قبل المنظومة نفسها”، لافتاً إلى أن “الفشل بالمال والاقتصاد من 30 سنة الى اليوم ادى الى الانهيار، وادى الى اعتبار التفاهم صفقة، صرختنا ليست جديدة ونحن تحدثنا عن هذه الامور في الحكومة الاولى للعهد”.
وأضاف باسيل أن “ما حصل هو ان الناس سبقتنا ولم تعد تحتمل، نستخلص من تجربة ثلاث سنوات من جزئها السلبي اننا لسنا مستعدين لتكرار الفشل”.
ولفت باسيل إلى أن “الحريري يحاول طرح معادلة انه بقوة الميثاقية يترأس الحكومة ويلغي الاخرين، مرحلة الغاء الاخر ولّت الى غير رجعة ولن نقبل لاحد ان يركب موجة الانتفاضة لضرب الميثاقية والشراكة الاسلامية المسيحية، هذه المعادلة ناضلنا من اجل تثبيتها وحرام ان نخسر وقتا اضافيا لتأكيد المؤكد”، مشيراً إلى أن “التجربة اكدت انه لا يستطيع احد الغاء احد، الان ليس وقت تصفية حسابات، القول انه لا يقبل الا بوزراء تكنوقراط كانه يقول انه هو الوحيد غير مسؤول عن الانهيار والفساد”.
حكومة إنقاذ
وأكد باسيل أن “الميثاقية ثابتة واولويتنا منع الانهيار”، مضيفاً “اذا اصر الحريري على “أنا أو لا أحد” وأصرّ حزب الله وامل على مقاربتهما بمواجهة المخاطر الخارجية بحكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري، فنحن كتيّار وطني حرّ، وكتكتّل لبنان القوي، مع ترك الحريّة لمن يريد من الحلفاء، لا يهمّنا ان نشارك في حكومة كهذه لأن مصيرها الفشل حتماً”.
وشدد على “أننا نكرر ان باب الحل واضح وهو تشكيل حكومة انقاذ، حكومة فاعلة، حكومة اخصائيين، برئيسها واعضائها، من اصحاب الكفاءة والجدارة والكف النظيف، وزراء من الاخصائيين الجديرين والقادرين على استعادة ثقة الناس، وعلى معالجة الملفات، على ان يكونوا مدعومين من القوى السياسية والكتل البرلمانية”، مضيفاً “عملاً بهذا المنطق يختار الحريري رئيس حكومة يحظى بثقة الناس ومتوافقاً عليه، فنكون قد احترمنا الميثاق بعدم تخطي ارادة الاكثريّة السنيّة، وعلى هذا الاساس يشكل رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس الجمهورية حكومة تصالح بين اللبنانيين والدولة وتنفّذ الاصلاحات وتحافظ على التوازنات”
تخفيض التصنيف
الى ذلك وفي مؤشر خطير أعلنت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني “تخفيض تصنيف لبنان الائتماني للمرة الثالثة في عام”، محذرة من “أنها أصبحت تتوقع أن يعمد البلد المكروب إلى إعادة هيكلة ديونه أو التخلف عن السداد”.
وعزت فيتش قرارها بخفض التصنيف إلى مؤشرات الركود، ولفتت إلى أن “تعاظم مؤشرات الركود والقيود على سحب الودائع المصرفية ونقص السلع خطر ينذر بحدوث المزيد من الاضطرابات الاجتماعية. كما أن تقنين الدولار الأميركي لإعطاء الأولوية لسداد الدين الحكومي قد يتحول بدرجة أكبر إلى قضية مشحونة سياسيا”، مشيرةً إلى أن “تنامي الدولرة -- إذ يحول المواطنون نقودهم إلى الدولار -- وظهور سعر صرف مواز، يشيران إلى ضغوط متصاعدة على ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، القائم منذ 1997”.
هذا وواصل سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية صباح أمس الجمعة، في سوق الصرافين عملية تذبذبه المؤسفة.
وسجل 2000 ليرة لبنانية في حال شراء الدولار من الصراف و1980 ليرة لدى بيعه للصراف. وهي المستويات نفسها التي سجلت يوم امس الأول الخميس .
تهريب الأموال
في سياق متصل أكد رئيس “حزب الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل، في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ان “تعب عمر اللبنانيين محجوز في المصارف، في حين يهرب أصحاب النفوذ أموالهم ومن ضمنها الأموال المنهوبة”، مشيراً الى ان “السلطة ومصرف لبنان تواطآ عبر رفض وضع قواعد رسمية للتحويلات، تاركين بعض الانتهازيين في المصارف يقبضون العمولات مقابل كل تحويلة”، موضحاً ان “المحاصصة مستمرة في هذا الوقت “
في هذه الأثناء اتصل رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري برئيس البنك الدولي ديفيد مالباس والمديرة التنفيذية لصندوق النقد كريستينا جيورجيفا، مؤكدا التزامه باعداد خطة انقاذية عاجلة لمعالجة الأزمة، بانتظار تشكيل حكومة جديدة قادرة على تطبيقها، وبحث معهما المساعدة التقنية التي يمكن لكل من البنك وصندوق النقد الدوليين تقديمها في اطار اعداد هذه الخطة. كما بحث الحريري مع رئيس البنك الدولي امكانية ان تزيد شركة التمويل الدولية التابعة للبنك مساهمتها في تمويل التجارة الدولية للبنان، في اطار الجهود التي يبذلها الرئيس الحريري لتفادي اي انقطاع في الحاجات الأساسية المستوردة بفعل الأزمة.
دعم مشروط
في سياق ذي صلة اشترطت مجموعة دولية تضم دولا غربية في اجتماعها تشكيل حكومة إصلاحية في لبنان لمساعدته اقتصاديا، في وقت يشهد فيه البلد منذ نحو شهرين احتجاجات واسعة أفضت إلى أزمة سياسية.
ففي بيان تلاه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في ختام اجتماع بباريس، عبرت المجموعة، التي تأسست عام 2013، وتضم فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، بالإضافة لممثلين عن المؤسسات المالية الدولية، عن قلقها إزاء ما يواجهه لبنان من أزمة تضعه أمام ما وصفته بخطر الفوضى الاقتصادية وغياب الاستقرار.
وقالت إن الحفاظ على استقرار لبنان وأمنه واستقلاله يتطلب التشكيل الفوري لحكومة، وأضافت أنه يجب أن تكون لتلك الحكومة القدرة والمصداقية للقيام بإصلاحات اقتصادية، وإبعاد البلاد عن التوترات والأزمات الإقليمية.
وأكدت أن على لبنان تبني إصلاحات مستدامة وموثوق بها لمواجهة التحديات الطويلة الأمد في الاقتصاد الوطني، مشيرة إلى ضرورة أن تعكس هذه الإجراءات تطلعات الشعب اللبناني.
جرعة مسكنات
وتعليقا على مخرجات اجتماع باريس والمساعدات التي يمكن أن تصل الى بيروت من الدول الداعمة رأى الباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين “أن اجتماع مجموعة الدعم الدولية ما هو إلا جرعة مسكنات في الوقت بدل الضائع.
وقال ناصر الدين إن المجتمع الدولي يرغب بدعم لبنان حاليا بما يتعلق بالأمن الغذائي جراء وقف اعتمادات المصارف وتوفير الأموال للاستيراد.
وأضاف أن الاجتماع الدولي هو نوع من المساعدة بـ”القطارة”، لأن لبنان لم يقدر على القيام بإصلاحات اقتصادية بنيوية”
حساسية بالغة
حزب الله من جهته أكد عبر نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم “اننا لم نرسل الخليلين لاستجداء رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري ولن نستجديه يوما”.
ولفت الى ان “حزب الله حين وافق على الورقة الإصلاحية ليس على قاعدة الحل السحري بل لأنها حل يفتح الباب على حلول أخرى مقابل الفراغ”، معتبرا ان “عقلية حزب الله بالمشاركة في عمل الحكومة على قاعدة مصالح الناس”، مؤكدا “اننا نواجه أزمتين؛ الكبرى داخلية هي الانهيار بسبب الفساد والمحاصصة، والثانية هي التدخل الخارجي المتمثل بشكل رئيسي بأميركا التي تريد ركوب أوجاع الناس”.
وكشف قاسم عن ان “حساسيتنا البالغة تجاه طرح حكومة الاختصاصيين هي عدم القابلية لذلك، ونحن كحزب الله جزء من الحل ولسنا وحدنا الحل”، معتبرا ان “من قواعد تشكيل الحكومة قابلية الانطلاق وعدم ولادة فتنة مذهبية”، مشددا على ان “سلطات الرقابة الشعبية يجب أن تبقى يقظة لأنها أثبتت فعليتها”.