جواد علي كسّار
• نبدأ من بريطانيا أعرق ديمقراطيات العالم، فقد كتبت الديلي ميل (وأعترف إنها ليست من الصحف الرصينة) عشية الانتخابات الوطنية الخميس الماضي، بأن الناخب البريطاني واقع بين المهرّجين؛ زعيم المحافظين بوريس جونسون، وزعيم العمّال جيمي كوربين، يحتاج أن يستعيذ منهما بالله، وان الانتخابات ليست أكثر من كابوس ما قبل أعياد الميلاد!
مع كلّ هذا الشحن والاستخفاف بجونسون في شكله وهيئته وألفاظه الجارحة وأدائه وأصوله التركية، وكذلك الاستهداف الممنهج لكوربين، مرّت الانتخابات النيابية بسهولة، وأسفرت عن فوز كبير للمحافظين، وهزيمة للعمّال، كان من نتائجها إعلان زعيم العمّال عن تقاعده من قيادة الحزب مقرّاً بالهزيمة، وتاركاً أمر قيادة الحزب في الانتخابات القادمة إلى غيره. كما اعتزلت العمل السياسي زعيمة الديمقراطيين الأحرار أيضاً، إقراراً بهزيمتها، وعدم نجاحها في الحفاظ على مقعدها، في حين أعلنت زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي النصر النسبي لحزبها، الذي حقق (48) مقعداً.
حصل هذا كلّه في غضون ساعات، ثمّ عاد كلّ شيء إلى وضعه الطبيعي في البلد، وطُويت صفحة الانتخابات مع تبعاتها، بانتظار الانتخابات القادمة!
• في الجزائر هناك ثلاثة عناوين تشغل المشهد منذ اعتزال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة واستقالته، هي الجيش والحراك الشعبي، والسلطة. وقد جاءت الانتخابات الرئاسية الخميس الماضي، كعملية تسوية بين هذه القوى، في محاولة لإعطاء بعض المكاسب للشارع، والحفاظ على دور الجيش في الحياة السياسية ما بعد عام 1962 حتى الآن، مع عدم السماح بانهيار دولة ما بعد الاستقلال ونظامها السياسي.
لقد خضعت الانتخابات إلى هندسة مسبقة، لكي تضمن التسوية، فكان الإعلان عن فوز عبد المجيد تبون رئيساً سادساً للجزائر، محسوباً بدقة، وبتوازن قلق من مؤشراته حصوله على أربعة ملايين صوت من أصل (24) مليوناً من المسجلين في الهيئة الانتخابية.
الشارع والجيش والسلطة تتحرك بخطى وئيدة وحذرة، ومن ورائها كابوس العشرية السوداء، وخوف عظيم من أن تنزلق الجزائر إلى ما يشابهها، وفي التجربة الجزائرية، أكثر من عنصر اشتراك مع التجربة العراقية أمنياً وسياسياً، تنفعنا كثيراً لو انفتحنا عليها ودرسناها.
• بعد أن أعلن المرشحان الفائزان في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، عن فشلهما في تشكيل الحكومة، بادر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) إلى حلّ نفسه، والذهاب إلى انتخابات ثالثة، كمخرج لمأزق تشكيل الحكومة. أجل، هكذا ببساطة؛ انتخابات ثالثة، يقع ثقل المسؤولية فيها على المواطن العادي، الذي ينبغي له أن يخرج صوب صناديق الاقتراع للمرة الثالثة، حماية لنظام بلده ودفاعاً عنه!
• من هونغ كونغ التي تستمر فيها الاحتجاجات منذ ستة أشهر، لا تزال الشرطة في حملة بحثٍ متواصلة عن متظاهرين، قد تورطوا بتحطيم عدد من الممتلكات العامة والخاصة!
• الرئيس الخامس والأربعون لأقوى ديمقراطيات العالم عسكرياً واقتصادياً، يواجه ضغوطاً برلمانية لمحاكمته، يعرف الجميع؛ هو والحزبان الديمقراطي والجمهوري، والكونغرس بغرفتيه، أن من الصعب جداً أن تقضي إلى عزله، إن لم يكن من المستحيل، لكنها مطلوبة معنوياً من الديمقراطيين لتعزيز حظوظهم بالفوز، ولإضعاف الجمهوريين، وربما دفعهم إلى استبدال ترامب بمرشح آخر.
• وصلني أن ديمقراطية تويتر عطّلت حساب اللواء عبد الكريم خلف!
هذه مؤشرات سريعة ليوميات متنوعة، من الممارسة الديمقراطية في بلدان العالم من حولنا، نأخذها كتجارب فيها ما ينفع، وفي مأثورنا الإسلامي: «عليك بمجالسة أصحاب التجارب، فإنها تقوم عليهم بأغلى الغلاء، وتأخذها منهم بأرخصِ الرخص»!