صالح الشيخ خلف
قبل فوزه بدست الرئاسة الاميركية عام 2017 طبع كتاب حمل اسم « دونالد ترامب » بعنوان « فنون الصفقة » . الجميع رأى في الكتاب المنهاج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يريد الرئيس الخامس والاربعون للولايات المتحدة ان يسير عليه في اصلاحاته الداخلية ، كما انه سيكون المنهاج ايضا في رسم علاقات بلاده الخارجية . ما يهمنا كدول وشعوب تتأثر بما يفعله الرئيس الاميركي هي الاسس التي يستند اليها في اقامة علاقاته مع العالم الخارجي .
في حقيقة الامر لم نلمس منه سوى مواقف غير مركزة عكستها تغريداته التي انفرد فيها عن الكثير من زعماء العالم ، لكن الثابت كان ولعه المفرط بمبدأ « عقد الصفقات » . وقد لخص غاري كوهين كبير المستشارين الاقتصاديين في البيت الابيض والجنرال هربرت ماكماستر مستشار الامن القومي الاسبق في مقال مشترك لهما مبدأ ترامب بقولهما « ان العالم ليس مجتمعا دوليا ، بل هو ميدان تنخرط فيه الامم واللاعبون غير الحكوميين ورجال الاعمال ويتنافسون على تأمين المصالح والامتيازات » وهذا كما يقول المحللون تكثيف في التعبير لما يمثله الرئيس ترامب من فهم للسياسة الدولية .
« التجارة والاقتصاد » هما الركنان الاساسيان في ميدان ترامب ، وهو المبدأ الذي عممه على علاقات الولايات المتحدة الخارجية . وبموجبهما ابدى تحفظات على العديد من الاتفاقيات ، او طلب اعادة النظر فيها كما حصل بشأن « الاتفاق النووي » مع ايران ، واتفاقية باريس للمناخ ، والاتفاقيات مع كندا واستراليا واخرى مع الصين وهكذا مع روسيا ودول جنوب شرق اسيا وصولا للدول الاوروبية . هذه المواقف حملت بمجملها ذريعة انها كانت سيئة وغير نافعة لمصالح الولايات المتحدة ، ولربما لانها كانت موقعة في عهد الرئيس السابق باراك اوباما .
الرئيس ترامب مولع ومغموس في « الصفقة » حتى ان القضية الفلسطينية عندما اراد ان يضع لها مشروعا لحلها اختار لها « صفقة القرن » وعندما نجحت طهران في تبادل السجناء مع واشنطن مؤخرا ، قال عنها « صفقة » يمكن ان تتكرر .
الرئيس ترامب في ربع الساعة الاخيرة قبل دخوله معترك السباق الانتخابي الذي يبدأ بعد عطلة رأس السنة الجديدة ، وهو يعلم جيدا حاجته الماسة الى « صفقات » مع دول « مارقة » ، واخرى « عاصية » وثالثة « منافسة » . توصل لحل « مرقع » مع الصين في التعرفة الجمركية ، وعينه على كوريا الشمالية وايران بعدما وضع روسيا في المرتبة الاخيرة لانه يدرك ان الرئيس بوتين صعب المراس لكنه « صديق لدود » .
« صفقة ايران » كما يقول العارفون تطبخ على نار هادئة وهي ادت حتى الان الى تبادل السجناء وهي الخطوة الاولى . الرئيس ترامب وضع محددات لهذه « الصفقة » . الاولى ، ان لا تكون على ايدي الاوربيين وتحديدا الفرنسيين لانهم غير جديرين بالثقة .
الثانية ، ان لا تكون من خلال لاعبين استهلكوا في عهد الرئيس السابق باراك اوباما. الثالثة ، ان تكون مختلفة عن سابقتها بالشكل الذي يمكن القول انها « جديدة » لتكون باسمه .
الرابعة ، ان تحدث « الصفقة » وهجا دوليا واقليميا كبيرا تكون ورقة مهمة يلوح بها في الداخل الاميركي ومقنعة لحلفائه في الاقليم . يضيف العارفون ان « الصفقة الايرانية » تطبخ هذه المرة على نار يابانية اختارها الرئيس ترامب ولم تمانعها طهران بعدما توصلت الى نتائج مقبولة للطرفين في فرنسا وفي نيويورك .
نهاية هذا الاسبوع سيكون الرئيس روحاني في اليابان . رحلة سياسية بامتياز . البيت الابيض قال للياباني بانه يريد ان يكون في صلب المباحثات ومهتم بالتفاصيل والنتائج . والرئيس ترامب يريد « الصفقة » ناضجة قبل ان يتحقق حلمه في مأدبة عشاء خالية من الكحول تجمعه مع الرئيس الايراني حسن روحاني.
الايرانيون كعادتهم لا يريدون غلق الباب امام احد . قالوها من قبل . وقال الرئيس روحاني انه مستعد ان يبذل الجهود حتى وان كان على حسابه الشخصي من اجل خدمة المصالح الايرانية . لكنهم في ذات الوقت لهم شرط واحد وحيد هو الغاء العقوبات الاقتصادية وهو « الخط الاحمر » والرئيس ترامب يعرف ذلك بشكل جيد من خلال مباحثات فرنسا ونيويورك. اما الياباني، القريب الصلة من الحليف الاميركي ، فهذه فرصته لدخول نادي الكبار الذي يسهم في النظام العالمي الجديد، خصوصا وانه كان بعيدا عنه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وهو ما يجعل لعابه يسيل للدخول عبر البوابة الايرانية . اليابان عنصر مهم في مجموعة السبع الكبار ، وباعتباره لاعب غير عسكري يؤهلها القيام بوساطة بين طهران وواشنطن لتحقيق « الصفقة » .