*منقذ داغر/عن صحيفة واشنطن بوست ترجمة : أنيس الصفار
أبدى آلاف المتظاهرين في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد والمناطق الأخرى في وسط وجنوب العراق، فخرهم واعتزازهم بأنفسهم كعراقيين، كما أعرب الغالبية منهم عن ابتعاد المشاعر السلبية السابقة بعد نزولهم لساحات التظاهر.
في محاولة للخروج بفهم أفضل لطبيعة الديناميكيات المحركة لتلك الاحتجاجات، وكيف سيمكن الاستجابة لشكوى المحتجين، أجرت مجموعتي البحثية المسماة "المستقلة" عملية استطلاع للرأي من خلال مقابلات وجهاً لوجه مع 1250 متظاهراً من بغداد وجميع المدن الرئيسة في جنوب العراق خلال الفترة الواقعة بين 24 تشرين الثاني و1 كانون الأول، ونظراً لأننا لم تتح لنا فرصة أخذ "عينة عشوائية" ممثلة فقد لجأنا الى أسلوب استهداف أشخاص من بين المشاركين في التظاهرات لأخذ ما يسمى "العينة الهادفة".
كانت من بين أقوى التوصلات التي انتهت اليها عملية المسح الاخيرة تلك الضرورة الطاغية عند المحتجين للشعور بالأهمية وبأنهم "ذوو شأن"، ففي عملية استطلاع سابقة للرأي أجريت في وقت مبكر من هذا العام وشملت عموم العراق أفادت نسبة تراوحت بين 3 و 4 بالمئة من الذين استطلعت آراؤهم بأنهم يشعرون أن حياتهم فقدت أي معنى، في حين قال 80 بالمئة أنهم عانوا من أعراض الاكتئاب لمرة واحدة على الأقل خلال الاشهر الستة السابقة لعملية الاستطلاع تلك.
بيد أن المشاركة في التظاهرات الحالية غيرت تلك المشاعر كما يبدو، حيث يقول نحو 94 بالمئة من المحتجين أن التظاهرات جعلتهم يشعرون بأنهم أشخاص مهمون، وقالت نسبة مساوية تقريباً ان مجرد المشاركة في الاحتجاجات جعلتهم يشعرون بأن لهم صوتا مسموعا في رسم مستقبل العراق، وقد ذكرت نسبة 97 بالمئة أن مجرد الخروج في التظاهرات جعلهم أكثر شعوراً بالاعتداد والفخر لكونهم عراقيين.
الثورة الرقمية
منذ العام 2004 قفزت نسبة العراقيين الذين يمتلكون هواتف نقالة من 1 بالمئة الى ما يقارب 100 بالمئة، وأكثر من 80 بالمئة منهم لديهم هواتف ذكية مزودة بمنفذ الى شبكة الانترنت، وقد أظهرت عمليات المسح التي اجريناها أن العراقيين، منذ العام 2018 (كأقرب حد) صاروا يلجؤون الى الانترنت كمصدر رئيس للمعلومات.
يذكر ما يقارب ثلثي المحتجين أنهم خرجوا للتظاهر استجابة لدعوة تلقوها أما عبر الانترنت أو عن طريق ما يسمى "الشبكة الاجتماعية المادية"، ونسبة 12 بالمئة منهم فقط خرجوا بناء على مناشدة من قبل أفراد اسرهم، وهذا تغير عما كان يحدث في الماضي عندما كانت الحكومة هي المسيطرة على سريان المعلومات التي تصل الى المواطنين العراقيين.
انعدام الثقة
أعظم مشكلة سيواجهها أي حل دائمي هو انعدام الثقة الراسخ باللاعبين السياسيين الحاليين، فباستثناء (المرجع) آية الله العظمى السيد علي السيستاني، الذي يعدّ أعلى رجال الدين نفوذاً في العراق ويحظى بثقة 60 بالمئة من المحتجين، لا يحوز لاعبو الدولة الآخرون (التشريعيون والتنفيذيون وحتى السلطة القضائية) إلا على ثقة ما دون 5 بالمئة من العراقيين، وفقاً لأحدث استطلاعاتنا.
أكثر من 90 بالمئة من المحتجين يرحبون بإجراء انتخابات مبكرة، بيد أن نسبة منخفضة منهم فقط لديها الاستعداد للموافقة على إجراء تلك الانتخابات بإشراف مفوضية الانتخابات الحالية، أو حتى تحت إشراف قضاة عراقيين.
التطلع الى المستقبل
أبدى المحتجون العراقيون صغار السن قدرة مشهودة على مقاومة الانجرار الى العنف، ولم يفقد المحتجون تركيزهم وثبتوا على طريق نيل مطلبهم، المتمثل بتحويل النظام السياسي الى نظام مختلف قائم على أساس الجدارة والاستحقاق فلا يعود تشكيله خاضعاً للانتماءات بالدرجة الأساس.
قد يكون من الصعب العثور على سبيل للخروج من كماشة الاحتجاجات الراهنة، ولكن الأمر الذي يستحق الالتفات هو أن 70 بالمئة من المحتجين يرتضون إجراء انتخابات مبكرة تحت إشراف الأمم المتحدة.
* منقذ داغر مؤسس "مجموعة المستقلة للابحاث" ومدير فرع منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مؤسسة غالوب الدولية.