أسباب احترازية

الصفحة الاخيرة 2019/12/17
...

حسن العاني 
يتفق الجميع، خصوم الولايات المتحدة ومؤيدوها، على أن هذا البلد يرفع شعار الديمقراطية في كل دعوة من دعواته، ولم يترك منبراً متاحاً الا ونادى بالحرية، وبعيداً عن المخفي والمستور، فهذا هو الظاهر والمعلن من السياسة الاميركية.
ولا اظن احداً يمتلك رأياً آخر على ان الولايات المتحدة هي واحدة من اكثر دول العالم عناية بالحرية، وتبنيّاً لمفاهيمها ونشراً لمبادئها (كما نسمع نحن الذين لم يسعفنا الحظ  لزيارتها او النضال على اراضيها)، ولان الحرية لا طعم لها ولا رائحة الا في ظل السلام ودحر الانظمة القمعية والدكتاتورية والشمولية، ولأن اميركا تكاد تنفرد بالقوة الدولية الاعظم في البناء العسكري والاقتصادي والعلمي، خاصة بعد الوهن الكبير الذي اصاب الاتحاد السوفيتي ومعسكره وانصاره فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها مخولة من قوتها وقدرتها ونفوذها ، وليس من الامم المتحدة او مجلس الامن.
كما يحاول البعض ايهامنا او الضحك علينا، أقول وجدت نفسها مخولة، او خوّلتْ نفسها لإرساء دعائم السلام والحرية، واسقاط الانظمة المتحجرة والوراثية والمعادية للديمقراطية وتطلعات الشعوب، ومن هنا بدأت تنهض بمسؤولياتها في هذا الاتجاه، وكانت لها مواقف مشهودة وحضور فاعل في العديد من الدول، وربما يمثل تدخلها في العراق بعد ان نضجت ظروفه من انصع الشواهد، فرئيس النظام امضى الى يوم سقوطه، وسقوط تمثاله في ساحة الفردوس قرابة 23 سنة، وهو يحكم العراق بالدم والحديد والنار، وبمنطق البطش والظلم والقوة، وبمنطق (العائلة) الحاكمة..
اما غياب الحريات بأوسع معانيها وتفرعاتها، وتجويع الشعب واذلاله والتصرف بخزينة الدولة وكأنها قاصة توفير منزلية يبذخ منها القائد الضرورة ويكرّم من يشاء بلغة الملايين في حين لا يقدر راتب ثمانين بالمئة من موظفي وعمال الدولة على شراء كيلو (لحم عجل) ... فهي تحصيل حاصل.
في اطار هذه المسوغات، او التبريرات على وجه الدقة، تحركت القوات الاميركية لتحرير العراق ووضعه على طريق السلام وسكة الحرية، ولا قيمة او اهمية لحفنة الاكاذيب المسرحية والديكورات السخيفة التي طرحتها في 2003 (مسوغاً) لاحتلالها، بل لا قيمة للبالونات القانونية على غرار موافقة مجلس الامن، او امتلاك العراق اسلحة دمار شامل، او جمع ثلاثين جندياً من هنا وسبعين من هناك (اشبه باللملوم) ومنحهم اسماً لا يتناسب مع حقيقتهم وهو (قوات التحالف) .. اساس القضية ان عبث صدام وفوضويته اوصلت النظام الى مرحلة النضج 
والقطاف!
اميركا كما يوحي المعلن من سياستها تؤدي واجبها الدولي في اطار مسؤوليتها لحفظ السلام العالمي، والقضاء على الانظمة المستهترة ونشر الديمقراطية، واذا كان بعضهم يجد غضاضة من الاستعانة بها او بغيرها من البلدان القوية او شبه القوية، لان ذلك قد يخدش كبرياء الوطن وسيادة البلاد، فان البعض الاخر لا يجد في ذلك حرجاً.. 
على أية حال فان حسابات (القوة الاعظم) وسياستها اوضح من عين الشمس في محاربة الانظمة الدكتاتورية والارهابية التي تهدد السلام العالمي... ومشكورة اميركا على مساعيها الكريمة، وكنتُ اودُّ التصفيق لها، لولا ان سؤالاً واحداً أرّقني: لماذا لم تقم بدورها في ايران التي قالت عنها: إن هذا البلد يخضع لنظام دكتاتوري ويخنق الحرية ويصدّر الارهاب؟! انا شخصياً أدرك العلة، ولكن ليس كل ما يُعرف يقال لأسباب احترازية...