أنواع الصلاة

الصفحة الاخيرة 2019/12/24
...

حسن العاني 
منذ بضع سنوات خلت عبرتُ السبعين، وقد هيّأ ليَّ هذا العمر العجائزي أن أتعرّف على النظام الملكي وأنا صبي في الصف الثاني متوسط، ويوم قامت يد آثمة بقتل الملك فيصل الثاني مفتتحة العهد الجمهوري بالدم بكيتُ بكاء الاطفال... مثلما هيّأ ليَّ في مراحل المراهقة والشباب، ثمّ وأنا رجل وكهل وعجوز أن أتعرّف على أنظمة العراق وحكوماته بشتى مسمياتها الى يومنا المبارك هذا، ولا بدَّ أنّ للسبعين صعوداً لغتها وطقوسها وأحكامها على السلوك والصحة والرؤية، وربما كان هذا بالذات هو الذي يقف وراء انتمائي الى شلّة كبار السن (بالمناسبة أنا أصغرهم، لانّ معظمهم اصبحوا اكسباير وغير صالحين للبقاء)، إذ نلتقي بصورة يومية منتظمة وقت الضحى... نتحاور ونتحدث ونستذكر، وثلاثة أرباع مفرداتنا انقرضت وعفا عليها الزمن، ومع ذلك يفهم بعضنا البعض، ونشعر بالراحة والطمأنينة، وأنّ الدنيا مازالت بخير...
لم تكن لدينا موضوعات محددة للنقاش، إنّما هي المصادفة التي تقودنا الى الحديث والحوار والتعليق والاتفاق والاختلاف... كانت أغلب نقاشاتنا ظريفة وبعيدة عن التعصّب، أذكر فيما أذكر أنّ قضية (الصلاة) أخذتْ منا ذات مرة جلسة كاملة، إذ امتدَّ الكلام حولها ليشمل اول ظهور لها كطقس رئيس مرافق للأديان، ثم تناول ابو غازي (ماجستير لغة عربية ومشرف تربوي متقاعد) مدلول الصلاة او معناها القاموسي .. و(أطنب) في الحديث حتى لم يترك صغيرة او كبيرة تتعلق بمعنى الصلاة اللغوي الا وتطرق اليها، وانتظر الحاج أبو عيسى – نائب ضابط متقاعد – الى ان انتهى ابو غازي من شروحاته وقال غاضباً (لعن الله الاميركان يوم ابتدعوا مجلس الحكم على أساس طائفي)، ردّ عليه السيد راضي الأعرجي – تاجر أقمشة – (العيب الاكبر ليس في الاميركان وانما يتحمله جماعتنا الذين وافقوا على ذلك التوزيع الطائفي) وتدخل المهندس المتقاعد احمد عطاالله (تعرفون يا جماعه ايام المراهقه والشباب ونزقها.. كنا نتقلب بين الماركسيه والصوفيه والوجوديه وبين الفوضى والعبث.. وفي المرات التي تمتلئ فيها قلوبنا بالإيمان، نحرص حرصاً مبالغاً فيه على إداء فريضة الصلاة ونذهب الى اي جامع او حسينيه، يعني اي دار عبادة قريب من بيوتنا او يصادفنا اذا كنا خارج منازلنا) قال الاعرجي (عيني ابو أحمد ... دور العباده هذي اسمها بيوت الله ... خو مو بيوت السنه لو الشيعه)، ولم يخرج ابو نهاد (مدير ثانوية متقاعد) عن هذا المعنى، فيما علق عمر اللامي – استاذ جامعي متقاعد – (الحقيقه منذ سنوات وانا اضحك من اعماقي لان هذه الجهة السياسية او تلك تدعو الى صلاة موحدة بين السنة والشيعة، وهي فكرة زرعتها اميركا وسقتها دول الجوار) وعقب الدكتور عبد الحسن الراوي (لاحظتُ في التظاهرات السلمية الاخيرة، ان الشباب حين يسمعون الاذان يقيمون الصلاة بصورة عفوية تجمع بطبيعتها السنه والشيعه)، وسألني ابو عيسى عن رأيي في صلاة السياسيين الموحدة ولماذا لم تثمر عن شيء بخلاف صلاة الشباب التي وحدت العراقيين.. أحرجني الرجل لكوني أتحاشى مثل هذه الافكار الدخيلة وحاولت التهرّب بإجابة اقرب ما تكون الى (النكتة) وقلت له: ان الله لم يستجب لصلاة السياسيين الموحدة لأنّهم كانوا بدون وضوء...