علي حمود الحسن
ما زالت السينما والتلفزيون الوسيطين الأكثر تأثيراً في عالمنا المعاصر، فالآلاف من الأفلام والمسلسلات تنتجُ يومياً ويشاهدها الملايين في أرجاء كوكبنا الأرضي، ساعد على ذلك تشظي الشاشات ودخولها ليس فقط الى بيوت البشر وحسب، إنما في جيوبهم وساحاتهم وشوارعهم وسياراتهم، هذا الإنتاج الواسع؛ كثيره تحكمه قوانين هوليوود الصارمة، وقليله مستقلٌ يعنى بالأفكار والرؤى، وبعد الثورة الرقميَّة التي غيرت معالم عالمنا المعاصر، لم تعد الحدود الفاصلة بين هذين الوسيطين واضحة، إذ تلاشت أو كادت، وهرعت شركات التلفزيون الكبرى الى استقطاب صناع السينما وإنتاج أفلام بميزانيات ضخمة، والطريف إنَّ الأفلام التي لا تقدر هوليوود على إنتاجها لأسبابٍ تسويقيَّة، أنتجتها شركات البث الرقمي، لا سيما "نيتفليكس" التي هيمنت على صناعة الأفلام في العام 2019.
ويبدو أنَّ هوليوود ليست في أحسن أحوالها خلال العام المنصرم، إذ انتقد اثنان من عمالقة التمثيل والإخراج السينمائي الكلاسيكي، هما: مارتن سكورسيزي صاحب "عصابات نيويورك"، و"الثور الهائج"، وفرانسيس فورد كابولا مخرج "القيامة الآن" و"العراب" توجه هوليوود لتفريغ محتوى السينما من الأفكار والقيم، لصالح سينما الخوارق والفنتازيا والعنف وسلسلة أفلام "مارفل" التي قال عنها سكورسيزي في حوار مع مجلة "إمباير"، مطلع الشهر الماضي: "صدقاً، أقرب ما يمكنني التفكير فيه حين أشاهد هذه الأفلام، التي صنعت على قدر من الجودة بممثلين يقومون بأقصى ما عندهم، هي "الملاهي"، فمثلا أفلام على شاكلة "المنتقمون: نهاية اللعبة" المنتج من قبل ديزني حقق أرباحاً تجاوزت 2.790.2 مليار دولار، متجاوزاً "افاتار" و"تايتانيك"، لا تثير سوى العواطف، التي هي أقرب لتجربة الملاهي منها إلى العمل السينمائي الحقيقي، ومن وجهة نظره، فإنَّ هذا النوع من الأفلام ينقل تجارب عاطفيَّة ونفسيَّة من شخص لآخر".
وايده في ذلك كابولا (80 عاماً) الذي كرم مؤخراً في مهرجان "ليون" العاشر، إذ قال: " كان سكورسيزي محقّاً بوصفه أفلام مارفل: "انها لا ترقى إلى مصاف السينما، لأننا نسعى إلى استخلاص العبر منها واكتساب ما ينوّرنا من معارف وإلهام، فأنا شخصياً لا أعرف ما يكتسبه المرء من مشاهدة الفيلم عينه مراراً وتكراراً"، متابعاً: "وقد كان مارتن لطيفاً عندما قال إنها لا ترقى إلى مصاف السينما، وهو لم يقل إنها جديرة بالازدراء كما أقول أنا".
هذا الصراع ربما يؤشر غروب السينما بالمعنى الكلاسيكي، إذ أصرت شركة "نيتفليكس" على بث أفلامها، التي يصنف الكثير منها على أنها الأفضل في العام 2019، من خلال منصات البث الرقمي بعد عروض تكاد تكون رمزيَّة في دور السينما، وهذا ما حصل مع فيلم "الأيرلندي" لسكورسيزي.
ومن أشهر ما قدمته "نيتفليكس" للسينما هذا العام: "قصة زواج" تأليف وإخراج نواه باومباش ومن بطولة كل من سكارليت جوهانسون وآدم درايفر، و"تحت الأرض" إخراج مايكل باي وتمثيل رايان رينولدز وميلاني لوران، و"البابوان" من إخراج فرناندو ميريليس وبطولة أنتوني هوبكنز وجوناثان برايس، و"المغسلة" للمخرج ستيفن سودربرغ وتمثيل ميريل ستريب وجاري أولدمان وأنتونيو بانديراس، وفيلم "رجال الطريق السريع"، من إخراج جون لي هانكوك وبطولة كيفين كوستنر ووودي هارلسون، وبذا لم يعد لأذرع هوليوود الضاربة من جدوى سوى في "سينما الاستهلاك الفائق".