ثورة الإصلاح

آراء 2019/12/27
...

 وجدان عبدالعزيز
 
الحقيقة في حقبة الانقلابات والصراعات، التي مرَّتْ بالعراق، كانت كلها من الصعوبة بمكان إدراك غاياتها الأساسيَّة، كذا تجربة ما بعد الدكتاتوريَّة الصداميَّة، فإنَّ قواها السياسيَّة التي صعدت الى السلطة بأثر الاحتلال الأميركي، كانت تحمل جهلاً واضحاً في المهنة السياسيَّة، ولا سيما شبه انعدام للفكرة الوطنيَّة والاجتماعيَّة في مجمل سلوكياتها، وبالتالي انكشف لنا جلياً أنَّ النخبة السياسيَّة بعد 2003 هي نخبة عديمة الإدراك لمفاهيم الوطنيَّة، برغم أنَّ الوطنيَّة هي الخيمة التي ينضوي تحتها المجتمع العراقي بجميع أطيافه وألوانه، فكان هذا الإدراك معدوماً لدى هذه النخبة السياسيَّة الحاكمة، لأنَّه لو حدث هذا الإدراك لكانت أسس الدولة العراقيَّة العصريَّة حاضرة، ولكن أنّى هذا يحدث؟ وجلّ الطبقة السياسيَّة قد انحرفت أخلاقياً بفسادٍ لا مثيل له في تاريخ العراق، وحكمت هذه الطبقة السياسيَّة على نفسها بالموت، لأنَّ شعبها شعبٌ حيٌّ لا يموت، فلا بدَّ من هذا الشعب أنْ يقوم بالإصلاح، وكانت التظاهرات عبر سنوات خلت هي السلاح الوحيد لجماهير حيَّة مدركة لمخاطر المستقبل، ولم تتعظ الطبقة السياسيَّة لمخاطر موتها البطيء، وبقيت راكبة طريق غيّها ومع الأسف بالأدوات الديمقراطيَّة المتاحة لها، لكنْ كما قلت كان الشعب حيٌّ لا يموت، (فالدولة هي الكائن الأشد تعقيداً بالنسبة للبناء والتطور. بمعنى أنها الكيان الحي الذي يحتاج دوماً إلى طاقم الاحتراف الأكثر رقياً في كل مؤسساته ومفاصله. بمعنى، إننا بحاجة إلى تجاوز هذه المرحلة الانتقاليَّة المعقدة والخربة بالشكل الذي يحفظ للعراق كينونته الفعليَّة وآفاقه المستقبليَّة، تماماً كما كان منذ جلجامش مروراً بتكوينه للكينونة العربيَّة الثقافيَّة وانتهاءً بالرجوع إلى النفس بمعايير العقل والوجدان والرؤية الواقعيَّة والمستقبليَّة)، وإلا فإنَّ العراق مليء بالمشكلات نقرُّ هذا، ولكنْ ليس كل مشكلاته عصيَّة الحل، فكانت الشخصيات الوطنيَّة التي حاولت التصدي لبناء العراق الجديد باءت بالفشل في المرحلة الحاليَّة، بسبب نظام المحاصصة الفاسد، فكان مصير كل وطني إما الاستقالة أو التواطؤ والاحتراق في أتون الفساد والرشوة، ولهذا لم تكن هناك وعلى مدار 16 سنة، خططٌ اقتصاديَّة مستقبليَّة لبناء البلاد، كان حصيلتها جيوشاً من العاطلين بسبب عجز ميزانيَّة الدولة، وتعطيل النمو الزراعي والصناعي والسياحي، أي تعطيل القطاع الخاص وشلّ حركته في تصاعد نموه، وبالتالي تحويل مورد الدولة الى الاقتصاد الريعي، لتسهل السيطرة عليه في الفساد والهيمنة من قبل السلطة، وهذا الأمرُ زادَ من الاحتقان الشعبي ضد النظام السياسي، ما دفع أبناء العراق الى الدعوة للإصلاح، يعاضدهم في ذلك مرجعيَّة النجف الرشيدة، فـ(الإصلاح والذي يقصد به الإصلاح السياسي هو تحسين وضع أو تعديل ما هو خطأ، كالفساد الذي استفحل في مفاصل الدولة، وما إلى ذلك. تم استخدام هذا المصطلح بالسياق السياسي في أواخر 1700 من قبل حركة كريستوفر ويفل التي سعت للإصلاح البرلماني. وبهذا فإنَّ الإصلاح يسعى لتحسين النظام القائم من دون الإطاحة به بالمجمل).
وكان ما كان في تظاهرات تشرين، التي وضعت النقاط على الحروف وهزت عرش الطبقة السياسيَّة برمتها وأجبرتها على اتخاذ عدة إجراءات إصلاحيَّة، وصبرتْ تظاهرات تشرين في ساحات الرفض والاحتجاج أمام عناد بعض الكتل السياسيَّة في المماطلة، فكانت من ثمراتها استقالة حكومة الدكتور عادل عبدالمهدي، ومن ثم الذهاب الى حل المفوضيَّة العامة للانتخابات وتعديل قانون الانتخابات والدعوة الى انتخابات مبكرة، وكذلك تشكيل لجنة للتعديلات الدستوريَّة، لضرورة النظر في بعض مواد الدستور وتعديلها بما يجعل الوطنيَّة العراقيَّة هي الدالة التي تعلو على جميع الدول الأخرى، وحتى هذه اللحظة ما زال المتظاهرون يشككون بإجراءات الطبقة السياسيَّة الحاكمة، لهذا كانت هناك دعوات لتحويل حالة الإصلاح كمطلب رئيس الى حالة الثورة، التي هي المطالبة بتغيير النظام الحاكم القائم واستبداله بنظام جديد، ومعنى هذا نحتاج الى مرحلة انتقاليَّة أخرى، لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، وفق قانون انتخابات يرضي الشعب ومفوضيَّة انتخابات مستقلة، وبمراقبة 
دوليَّة.