حزام الامن البحري

الرياضة 2019/12/29
...


صالح الشيخ خلف 
 
انطلقت نهاية الاسبوع الماضي مناورات عسكرية بحرية مشتركة في شمال المحيط الهندي وبحر عمان شاركت فيها روسيا والصين وايران . هذه المناورات هي الاولى من نوعها إن على طبيعة المشاركة او على مستوى المنطقة . فهذه هي اول مناورات عسكرية تشترك فيها ايران مع دولتين كبيرتين عضوتين في مجلس الامن الدولي هما الصين وروسيا منذ العام 1979 ، بينما تعتبر الاولى ايضا في منطقة مهمة هي شمال المحيط الهندي وبحر عمان القريبة من منطقة نزاع ومحصورة بين مضيقين هما باب المندب وهرمز . ناهيك عن ان هذه المنطقة كانت تاريخيا وتقليديا تحت النفوذ الامريكي .
كل من هذه الدول الثلاث لديها مشاكلها وعلاقاتها وخصوصياتها مع دول الاقليم ومع الدول الاخرى وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية . ربما ان الصين لديها تواجد بحري عسكري في جيبوتي وتسعى الى بناء قاعدة بحرية في ميناء جوادر الباكستاني اضافة الى امتلاكها لتجربة ارسال قطعة بحرية عسكرية الى المياه الخليجية عام 2017 في اطار مناورة مشتركة اجريت مع الجانب الايراني ، لكن روسيا تدخل المنطقة لاول مرة منذ بداية الحرب الباردة حتى الان وبالتالي فمشاركتها في هذه المناورة تعتبر فرصة ذهبية . اما ايران فانها اعطت اهمية قصوى لمناورات « الحزام الامني البحري » وبالتالي فان اي من هذه الدول الثلاث اراد بشكل اوباخر ارسال رسالة للولايات المتحدة الامريكية بينما كانت رسالة ايضا الى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة . 
هذه المنطقة  - منطقة المناورات المشتركة الروسية الايرانية الصينية - تشكل فيها تحالف دولي بحري تقوده الولايات المتحدة هدفه مواجهة التحديات الايرانية في اطار اجتماع المنامة الامني . هذا التحالف ضم عدداً من الدول الخليجية وبعض الدول الاخرى غير المؤثرة عسكريا بينما لم تبد الدول الاوروبية رغبة جامحة للانضمام اليه على الرغم من مشاركة فرنسا في اجتماع البحرين  . بمعنى اخر ، المنطقة امام تحالفين الاول التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وتحالف اخر بدأ بالتشكل تقوده القوتان المنافستان الصين وروسيا اضافة الى دولة اقليمية هي ايران . 
صينيا ، يبدو انها خرجت ولو بشكل خجول عن حالتها الدفاعية وعملت على بناء قاعدة بحرية في جيبوتي بينما تعمل على بناء قاعدة مشابهة في ميناء جوادر الباكستاني ، وعينها على دخول المياه الخليجية حيث عملت مع الكويت على الاستثمار في جزيرة فيلكا وبوبيان قبل ان تدخل واشنطن على هذا الخط وتمنع مثل هذه الخطوة ، لكنها تحاول مع الجانب الايراني لعقد صفقة للاستثمار في احدى الجزر او الموانىء الايرانية كجزيرة كيش او قشم او هرمز او ميناء جهاربهار المطل على بوابة مضيق هرمز . الحسابات الصينية كثيرة ومتعددة ومتشعبة ترتبط بالجوانب الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والامنية ، ولذلك فهي لاتريد غضب اسواقها الخليجية ، كما انها لاتريد فقدان اصدقائها وهي تسسير بحذر ودراية متناهية هدفها الاول افهام الولايات المتحدة ضرورة التقليل من ضغوطها لادارة توازن القوى . 
وبالتالي اذا تيقنت الصين من ان الولايات المتحدة خفضت من ضغوطها فمن المحتمل جدا رجوعها لسياستها المحافظة . ومثلما تقدمت خطوة للامام فانها على استعداد للتراجع خطوتين للخلف . 
اما روسيا ، فانها لاتقل عن الصين في خلافها مع الولايات المتحدة وعن سياستها في المنطقة والعالم . خصوصا ان الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية على روسيا على خلفية المشكلة الاوكرانية وجزيرة القرم . روسيا تمتلك وجهات نظر مختلفة عن الولايات المتحدة في العديد من الملفات الشرق اوسطية او الدولية ، وبالتالي فانها تحاول دعم القوة الايرانية في الاقليم لتخفيف الضغوط الاقتصادية الغربية وتحديدا الامريكية من النافذة الايرانية . 
في مايخص ايران فانها تريد ارسال رسالة للولايات المتحدة بانها ستكون مجبرة لاعطاء امتيازات عسكرية للصين او روسيا في سواحلها التي تبلغ 2440 كيلومتر فيما اذا حاولت ممارسة المزيد من الضغط او التصعيد . واذا كانت مصادر القرار في الولايات المتحدة تعتقد ان معركتها القادمة هي مع الصين فعندها تظهر اهمية ايران بالنسبة للصين وروسيا . وبالنسبة للدول الخليجية فان طهران ايضا تريد ان تقول ان ايران تملك من الاوراق ما تستيطع من خلاله الدفاع عن نفسها وتستطيع ايضا ان تلعب بهذه الاوراق بما يؤمن امنها القومي كما جسد ذلك المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية عباس موسوي الذي قال ان العالم يعيش مرحلة مابعد الغرب ، وسيكون لجميع اللاعبين في العالم نصيبهم في كل شيء .
لكن في المجمل تأسيس تحالفات عسكرية مع الدول الكبرى في هذه المنطقة ذات الرمال المتحركة لايخدم دول وشعوب المنطقة ، كما ان عسكرة المنطقة ستؤدي الى المزيد من سباق التسلح وتاخذ بها الى ازمات هي في غنى عنها .