قراءة في التراث

الصفحة الاخيرة 2020/01/04
...

حسن العاني 
ليس بعد ربع قرن، وإنّما لحظة الإعلان عنها، كنتُ متيقناً بأنّ (الحملة الايمانيّة) نوبة من نوبات صدام النرجسية التي يتعرض لها كثيراً، ويتصور أو تُصوّرُ له الحاشية، بأنه ظل الله الذي لا ينازع في الارض، فهو المفكر العظيم وأبو القضية الفلسطينية والعسكري الفذ والقائد الملهم، وإنّه طراز فريد لا شبيه له ولا مثيل في السياسة والادارة والشجاعة وبناء القصور الرئاسية...
حاول الرجل في حملته الايمانية ترك انطباع لدى الناس، بأنّه يعود الى العمق الديني ويستلهم معاني التراث الاسلامية السامية، ولم ينتبه او يجرؤ أحدٌ على تنبيهه، بأنّ نجله (قصي)- الفتى الكتوم الصامت- يقود مملكة مترامية الاطراف من العساكر والرتب العالية والنفوذ المالي والاقتصادي، ونجله (عدي) الذي عاش ومات وهو أسير مراهقته الجسدية والعقلية، ويتزعم امارة لأميرات النساء جمالاً وأنوثة ومن كلِّ صنف ولون وعمر، ويهيمن هيمنة كاملة على الاعلام والرياضة والادب، اما لجنته الاولمبية فسلطة قائمة بنفسها توازي سلطة الأب... والسؤال: ما هي الكفاءات الاستثنائية لعدي وقصي؟ والجواب: انهما ابنا المسؤول الاول في الدولة!!
أمام هذا الواقع وهذه الوقائع نجد انفسنا أمام تساؤل مفخخ بالحيرة: هل استلهم صدام حسين التراث في حملته الايمانيّة، أو هل قرأه واطلع عليه؟! المنطق يقول (لا) لانّ السلوك العام لرئيس البلاد وابنائه وأسرته والمحسوبين عليه لا تمت بصلة لأي معنى من معاني التراث الاسلامية التي وصفناها بالسامية، وهي حقاً كذلك ولكن للتراث وجهاً آخر جسّدته بنسبة تزيد على تسعين بالمئة مظالم الخلفاء والطبقة السياسية الحاكمة أيام الدولة الأمويّة في الشام والامبراطورية العباسية بشتى عصورها في بغداد والخلافة العثمانية وبابها العالي وسلاطينها، ويكفي القول، إنّ بعضهم كان لديه زيادة على الزوجات التي أباحها الشرع، عدد لا يصدق من الجواري حيث تذكر كتب التاريخ ان الخليفة (المتوكل) كانت في ذمته (4 آلاف) جارية وطأهن جميعاً، وإن بعضهم لا يتناول طعامه إلّا في صحون ذهبية، والاكثر ايلاماً، أنّ صحون الذهب تلك يجب تغييرها بصحون ذهبية جديدة مع كل وجبة طعام، وبعضهم وبعضهم وبعضهم وفضائح المؤامرات والقتل والفساد الاخلاقي والمالي مما يندى له الجبين ويضفي على المشهد مزيداً من الإيلام، لأنَّ ثلاثة ارباع الناس لا تجد زوجة واحدة تكمل فيها نصف دينها، ولا رغيف خبز تكفُّ به جوعها،.. وإذن فقد قرأ صدام الجانب المظلم من التراث، ولم تذهب عيناه الى الجانب المشرق، ولهذا فإنّ عشرات المسؤولين منذ قيام الدولة العراقية الحديثة لم يستوقفهم إلّا التراث الأسود، فوهبوا انفسهم صلاحيات ربانيّة مستلهمة من عثرات التراث ومظالمه، مثلما وهبوها لذريتهم وحبيباتهم حتى وصل الامر الى افراد الحماية الذين يستندون الى ظهر مسؤولهم الذي يستند الى حزب يحميه.. فهل (إبن حمولة) يتولى إعداد مناهج حياتية تستلهم تراث ابن ابي طالب وابن الخطاب وابن عبد العزيز والغفاري بدلاً من مناهج الكابينة الوزارية وتحت خط الفقر والاقلية والاكثرية وجميع المصطلحات التي اورثتنا البطالة ووجع الرأس!!