لعبة نار في الشرق الأوسط

العراق 2020/01/06
...

كولن كاهل
ترجمة وإعداد /الصباح                                  
في حزيران 2014 كانت القواتُ الأميركية قد شرعت بالانسحاب من العراق عندما أطلقت مجموعات عراقية سلسلة من الهجمات الصاروخية العنيفة على قواعد أميركية. قتل في ذلك القصف اكثر من عشرة جنود أميركيين وهي أكبر خسارة في الأرواح تقع منذ أشهر عديدة. 
وجدت إدارة أوباما نفسها أمام خيارين للرد، فاما توجيه ضربة الى داخل إيران يقتل فيها مسؤولون إيرانيون، أو أن تنفذ قوات العمليات الخاصة الأميركية غارات من جانب واحد ضد من أطلق الصواريخ. ولأجل تجنب التصعيد الذي يمكن ان ينقلب الى حرب أوسع نطاقاً مع إيران فضلت 
الإدارة الخيار الثاني.
في الاسبوع الماضي، وفي رد على الهجوم الصاروخي الذي وقع في 27 كانون الأول 2019 وأسفر عن مصرع متعاقد أميركي وإصابة عدد من الكوادر الأميركية والعراقية في القاعدة قرب كركوك، سلكت إدارة ترامب في بادئ الأمر مساراً مشابهاً لذاك، حيث وجهت ضربات جوية انتقامية الى تنظيم 
“كتائب حزب الله”. 
ولكن في وقت مبكر من صباح الجمعة بتوقيت العراق (أي مساء الخميس بتوقيت الولايات المتحدة) نضى الرئيس “دونالد ترامب” عنه كل دواعي الحذر واعطى الإذن بتوجيه ضربة بطائرة مسيرة أسفرت عن مقتل اللواء قاسم سليماني قائد قوات القدس في فيلق الحرس الثوري الإيراني وأحد ألمع القادة الإيرانيين، مع عدد من القادة العراقيين البارزين 
قرب مطار بغداد. 
بمقتل سليماني دخلت دورة تبادل الضغط القديمة بين واشنطن وطهران مرحلة جديدة أكثر خطورة، لأن مجازفة التهاب المنطقة برمتها اليوم أعلى 
من اي وقت مضى. 
لكن، أياً تكن الاسباب التي يبرر بها الأميركيون فعلتهم، يجب ألا يغيب عنا أن اغتيال سليماني من شأنه أن يطلق في الساحة سلسلة من الاحداث التي سرعان ما ستضطرم حتى تخرج عن نطاق السيطرة وتضع الأميركيين ومصالح الولايات المتحدة في خطر جسيم. 
في الماضي أحجمت إدارتان أميركيتان قبل ادارة ترامب عن استهداف سليماني بشكل مباشر حذراً من ان يتبع ذلك تصعيد شامل، وهو حذر يشعر به البنتاغون أيضاً والاجهزة الاستخبارية. 
بل أن وزارة الدفاع واصلت تحذيراتها للبيت الأبيض من مغبة إدراج فيلق الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الارهابية وما قد يسببه ذلك من خطر على ارواح الأميركيين في العراق وأماكن أخرى في المنطقة (ولو أن ترامب فعلها متجاهلاً ذلك كله). وفي شهر حزيران الماضي كان “جوزيف دانفورد”، الذي شغل حينها منصب رئيس هيئة الاركان المشتركة، هو من أقنع ترامب بالعدول عن الرد على اسقاط طهران طائرة مسيرة أميركية. بيد أن كل هذا الحذر والاحتراز قد انقلبا 
الآن رأساً على عقب.
يبدو أن الرئيس وأوثق مستشاريه كانوا يؤمنون بنظرية شجعتهم على اغتيال سليماني، وهي أن إيران نمر من ورق ما أن يتلقى لكمة على انفه حتى ينكفئ لائذاً بكهفه. بيد أن اغتيال سليماني شأن مختلف عن كل ما سواه، والثأر يمكن أن يأتي بصور متعددة. 
تشير احدث استطلاعات الرأي الى أن اغلبية الأميركيين يحمّلون سياسات ترامب مسؤولية تصاعد التوترات مع إيران، واغتيال سليماني 
لن يغير هذا التوجه. إذا ما ازهق الانتقام الإيراني مزيداً من ارواح الأميركيين فسوف تضطر الولايات المتحدة الى الرد المقابل، وبمواجهة الهجمات على قواتهم ومصالحهم سيجد القادة الإيرانيون انفسهم أيضاً أمام حسابات مماثلة. 
أي من الجانبين لا يريد حرباً شاملة، بيد أن كل زيادة في التصعيد ستقابلها زيادة على الجانب الاخر بحجة الدفاع، ومن الصعب ان نتصور مخرجاً آمناً اذا ما دارت دوامة العنف هذه وتسارعت. 
حتى لو أمكن تجنب الحرب الاقليمية فإن الاحتمال الأرجح هو أن يخلف 
مقتل سليماني آثاراً جانبية. 
فالغضب العراقي ازاء الضربة يمكن أن يضع الأميركيين في مركب صعب، وقد أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي منذ الان أن الضربة تمثل 
انتهاكاً لسيادة العراق. 
عن مجلة فورن بولسي