فوضى العالم

آراء 2020/01/11
...

ميادة سفر
 
 يبدو العالمُ اليوم أكثر حراكاً في انفعالاته وحروبه وثوراته منه قبل قرون،غليان شعبي ودولي وتحركات مكثفة على مختلف الصعد ومن قبل مختلف الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، إنّ هذه التحركات والثورات والانتفاضات وما نجم عنها من فوضى في الكثير من البلدان لم تأتِ من العدم، فثمة عوامل عدة أسهمت بشكل مباشر تارة وغير مباشر تارة أخرى في الوصول إلى الواقع الذي يعيشه العالم اليوم. 
لقد أسهم التطور التكنولوجي الهائل الذي حصل في مجالات عدة، لا سيما مجال الاتصالات والانترنت والتسليح، بشكل ملموس في الحركة العالمية الحاصلة اليوم، لاسيما أنه اقترن بالهيمنة التي تمارسها الدول الكبرى التي امتلكت أساساً مفاتيح هذا التطور والظهور الفاحش للشركات المتعددة الجنسيات التي باتت تتحكم في المسارات السياسية والاقتصادية للدول، فكانت التكنولوجيا عاملاً في زيادة التحكم من قبل الدول، التي تمتلكها بالدول الضعيفة تكنولوجياً وعلمياً، فقد أصبحت وسائل الاتصال الإلكتروني مع ما تتيحه من اختصار للمسافات وسرعة نقل الخبر والمعلومة أداة فعالة في تحريك الشوارع وبث الاخبار وإشغال الجمهور وتحريضه وإشعال المشكلات وغيرها من أساليب، غايتها الأساسية الهيمنة والسيطرة، كما شكل الصراع على موارد الطاقة والمخاوف التي خلفها الشح فيه في بعض الدول، واحداً من محركات العالم الرئيسة التي أدت في ما أدت إليه من فوضى وحروب وثورات، وكان للعالم العربي حصة الأسد فيها.
إنّ حاجة الدول الصناعية الكبرى المتزايدة للطاقة ستؤدي بلا أدنى شك إلى تزايد الصراعات والنزاعات الدولية، ولابدّ من المراقب للأحداث التي جرت وتجري منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي وما تبعه من تربع الولايات المتحدة الأميركية  على عرش النظام الدولي، والقيام بتغذية الصراعات الداخلية والخارجية بين الدول، الأمر الذي أدى إلى تزايد حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في كثير من الدول حتى وصلت إلى أوضاع أكثر سوءاً في السنوات الأخيرة، فكانت الحروب المتتالية وأحداث ما سمي بالربيع العربي، والملاحظ أن أغلب تلك الأحداث كانت تتم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كأحد الأماكن الأكثر غنى بالطاقة أو التي شكل موقعها بعداَ ستراتيجياً لنقل الطاقة كما حصل في سوريا "وفق عدد من الخبراء".
عوامل كثيرة أسهمت وأخرى ستسهم في تزايد الصراع في عالمنا المعاصر، ويبدو أن التطور الذي حصل في مختلف المجالات التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية لم يسهم إلا في فتح ثغرات جديدة للصراع، في ظل سعي الدول التي تمتلك تلك القوى لفرض هيمنتها وإيجاد أسواق لتصريف منتجاتها حتى لو كان ذلك على حساب البشرية واستمرارها، مقابل تراخي دول أخرى وقبولها بالخضوع مقابل احتفاظ الحكام بالكراسي، وتبقى الشعوب هي الأكثر عرضة للأذى وتحمل تبعات ما يحصل، وإلى أن تعي الحكومات ضرورة وكيفية استثمار طاقاتها والخروج من فكرة الخضوع والهيمنة، سيبقى العالم يترنح بين حرب وأخرى وإن تغيرت أدواتها.