أغنية رياضيـَّة يصادرها صدام لنفسه

الصفحة الاخيرة 2020/01/11
...

عبد الجبار العتابي 
 
اثناء الاستعدادات التي كانت جاريّة لاستضافةِ بطولة كأس الخليج العربي الخامسة بكرة القدم في بغداد في شهر آذار من العام 1979، واذ كان اللاعب فلاح حسن هو الاكثر جماهيريّة، أرتأى المطرب سعدون جابر، الذي تربطه علاقة صداقة ومحبة مع فلاح حسن، أن يغني له أغنيّة رياضيّة مميزة يهزج بها الجمهور وتكون من علامات تلك البطولة التي حظيت باهتمام اعلامي وجماهيري كبيرين.
 وبالفعل ظهرت أغنيّة(يا بو رجل الذهب)، التي هي من كلمات الشاعر كريم العراقي وألحان خزعل مهدي (1928 ــ 2012) وهي في مجملها تحيّة للاعبي الخليج وبالخصوص لفلاح، ويقول مطلعها (يابو رجل الذهب يا محبوب الشعب/ يا فنان العرب مية هلا بيك/ هلا بيك هلا وبجيتك هلا/ إلنا يبه الكاس واسمنا يلوك إله)، صدح بها سعدون في الحفل الافتتاحي للبطولة الذي كان يوم 23 من شهر آذار والذي جرى على ملعب الشعب الدولي ورددت معه الجماهير، واستطاع سعدون جابر الى تغيير بعض المفردات ليشير فيها بوضوح الى فلاح حسن كما فعل بعد انتهاء البطولة والاحتفال بفوز العراق في برنامج (الرياضة في اسبوع) وكان يردد بشكل واضح (العب يافلاح سجلنه هدف جمهورك اليوم ملا الدنيا وهتف) ومن ثم اضاف اسماء بعض اللاعبين مثل (العب او حاول لحسين ناول) وذكر عددا من اللاعبين، وعرف الناس أن الأغنيّة مخصصة لفلاح فقط!.
سرعان ما سرت الأغنيّة على ألسنة الناس الذين راحوا يتغنون بها بفرح غامر أيام البطولة على المدرجات وفي الامكنة المختلفة، حتى  صارت بمثابة نشيد وطني رياضي، حتى بعد البطولة، واذكر ان مجلة (الرياضي) الاردنية امتدحت فلاح والاغنية وكتبت عنه قائلة: (يا بو رجل الذهب يا فنان العرب ، مقطع من اغنية عراقية صدح بها أبناء دجلة والفرات في كل ساعات النهار)، وهكذا طار صيت الاغنية (الفلاحيّة) في الارجاء وصارت أغنية الموسم حينها، خاصة مع فوز المنتحب العراقي
 بالبطولة.
  لكن رئيس النظام السابق صدام  لم يعجبه ذلك، ان يتغنى الناس بلاعب كرة قدم او اي شخص اخر غيره، فأصدر اوامره بتغيير بعض المفردات وتسجيل الاغنية من جديد لمصلحته كأهزوجة تتغنى به وحده، فمنع تلك الاغنية التي تتغنى بحب وتألق اللاعب فلاح حسن، وذكر لي احد الثقاة ان (صدام خابر مدير التلفزيون سامي مهدي بوقتها وقال له: ( اذا لاعب كرة قدم تغنون اله يبو رجل الذهب .. يمحبوب الشعب .. لعد رئيس الجمهورية شراح تغنون اله ؟!!) ثم أغلق التلفون بوجه سامي مهدي، حينها دخلت مؤسسة الاذاعة والتلفزيون انذار ويقال في اليوم التالي كانت الاغنية الجديدة كاملة )، الاغنية الجديدة كتب كلماتها الراحل خزعل مهدي، وطبعا لم يسجل سعدون جابر الاغنية الجديدة، بل كانت فرقة المجاميع هي من أدتها على انها اغنية جماهيرية، فتم منع اغنية سعدون جابر من البث تماما، وقيل انها اتلفت فلم يعد لها وجود في رفوف مكتبة الاذاعة والتلفزيون بينما صارت الاغنية الجديدة اهزوجة خاصة بالرئيس . وأكد الشاعر رحيم العراقي ان الاغنية الرياضية كلمات كريم العراقي ألحان المرحوم خزعل مهدي .. اما الاغنية السياسية فهي كلمات و ألحان خزعل مهدي.. حيث حوّلها الى أنشودة تمدح صدام .. موضحا ان هذه المعلومة موجودة في (تايتل) الأغنية ، مشيرا الى ان الاغنية السياسية كانت مجرد مبادرة من الراحل خزعل مهدي ..ولم يحصل على تكريم من صدام او من يمثله والأدهى من ذلك أن الأغنية الرياضية منعت بعد أن تحولت الى إنشودة..، كما أخبرني رحيم العراقي ، قائلا : اتذكر حوارا جرى في بيت المطرب قحطان العطار بشأن الموضوع، حيث قال الصديق قحطان العطار لسعدون جابر : استاذنا خزعل مهدي ضيع المشيتين..خسر الأغنية الرياضية وما حصل تكريم على الإنشودة..!!! وهكذا صادر صدام هذه الاغنية ليكون اول رئيس في التاريخ يصادر اغنية ليست له .