الشرق الأوسط الجديد

الرياضة 2020/01/11
...

صالح الشيخ خلف
 

عندما سيطرَ المحافظون الجدد على الحكومة الاميركية في عهد الرئيس جورج بوش الابن عام 2001 طرحوا مشروع “الشرق الاوسط الجديد” للسير باتجاه اعادة تموضع بعض الحدود في المنطقة ورسم خارطة جديدة للشرق الاوسط، حيث كانت كونداليزا رايس قد بشرت بهذا المشروع ومن تل ابيب على وجه التحديد. وقالت رايس في حينها: “ان المشروع سيحقق حلا سحريا لعلاج ازمات المنطقة المزمنة” إلا أنه وإن طال زمن تحقيقه، فقد أصبح هناك من يقرأ تفاصيل الأحداث في المنطقة العربية، والتغيّرات المتسارعة على أرض الواقع بأنها تصبّ في النهاية لصالح تقسيم بعض البلاد في المنطقة، الأمر الذي يصبّ في تحقيق مخطط “الشرق الأوسط الجديد”، وإن كان على 
مراحل.
في مجلة القوات المسلحة الأميركية “عدد يوليو 2006”، نشر الضابط الأميركي السابق “ كولونيل متقاعد من الأكاديمية الحربية الوطنية الأميركية”، رالف بيترز، مقالة بعنوان “حدود الدمط” وهي جزء من كتابه”لا تترك القتال أبداً”، وتشكّل هذه المقالة تقريراً متكاملاً عن الصراعات في الشرق الأوسط، والتوتّر الدائم في المنطقة، والتي يعدها “بيترز” نتيجة منطقية لخلل كبير في الحدود الاعتباطية الحالية التي وضعها، حسب تعبيره “الأوروبيون الانتهازيون”.
ويعتقد رالف بيترز أن المجموعات الإثنية والدينية في الشرق الأوسط مارست الاختلاط والتعايش والتزاوج، ولكن لا بد من إعادة رسم الحدود لإنصاف الإثنيات الموجودة. لذلك، ومن أجل شرق أوسط أميركي، تقدّم بيترز منذ ذلك الوقت بخريطة أميركية، قد تكون بديلة لسايكس بيكو البريطانية الفرنسية، تلغي بعض الحدود القائمة بين الدول، ويعتمد على مبدأ تقسيم الدول الحالية، فتتحوّل الدولة الواحدة إلى دويلات، وتنشأ دول جديدة، وتكبر دول صغيرة، وتصغر دول كبيرة.
وفي العام 2006 وتحديدا في اتون الحرب اللبنانية الاسرائيلية قالت كوندليزا رايس ان “مشروع الشرق الاوسط الجديد” سوف يولد من رحم الحرب اللبنانية الاسرائيلية. 
وفي ذات العام القى امين مجمع تشخيص مصلحة النظام في ايران محسن رضائي محاضرة في مركز الدراسات الستراتيجية للشرق الاوسط حضرها سفراء الدول الاجنبية والعربية المعتمدين لدى طهران بما فيهم السفير السويسري الذي يرعى المصالح الاميركية في طهران قال فيها بوضوح: ان ايران لن تسمح بتمرير هذا المشروع ما لم يأخذ بنظر الاعتبار مصالح دول المنطقة وليس المصلحة الايرانية فحسب، وقال ايضا، ان دولا مثل السعودية والعراق وسوريا وتركيا وحتى الباكستان وافغانستان المشمولة بهذا المشروع يجب ان تشكر ايران لانها تقف في الضد من هذا المشروع.
كان التصور الايراني يتمحور حول منع اعادة ترسيم الحدود لدول المنطقة، وعدم صياغة النظام الامني السياسي في المنطقة،  دون الاخذ بنظر الاعتبار مصالح دول المنطقة. بمعنى ضرورة مشاركة دول المنطقة في اي “ترتيبات امنية سياسية” بعد سقوط النظام الرسمي العربي بسقوط النظام العراقي السابق، وبعد سقوط النظام الرسمي الاقليمي بسقوط معادلات “الحرب الباردة” بانهيار الاتحاد السوفياتي، لتقديرها ان مشروع “الشرق الاوسط الجديد” يخدم اسرائيل بالدرجة الاولى من خلال تقسيم المقسم وتجزئة المجزء في هذه المنطقة. 
تشكيل “محور المقاومة” الذي تزعمته ايران كان يهدف بالدرجة الاولى الى منع تحقيق المشروع الاميركي. وما قام به فيلق القدس الايراني الذي قاده قاسم سليماني كان يهدف في جميع تفاصيله الوقوف امام تحقيق هذا المشروع والعمل على تاسيس “شرق اوسط جديد” وفق سياقات مصالح دول وشعوب المنطقة. ايران كانت وما زالت تعلم ان هذه المهمة غير عادية وان ضريبتها ايضا مكلفة، لكنها تعتقد ان النتائج تستأهل مثل هذه التضحيات .
اغتيال قاسم سليماني ادخل المنطقة ومعها المشروعين الاميركي والايراني في مسار جديد قالت عنه ايران بانه “ستراتيجي” يهدف الى اخراج القوات الاميركية من المنطقة في اطار “سياسة الرعب” ربما تكون احدى ادواته “البرنامج النووي” اضافة الى المنظومة الصاروخية التي تمتلكها ايران وتطورها استنادا لحاجاتها وحاجات المحور الذي تتزعمه. 
ايران تتحدث عن “قواعد لعبة” جديدة اضافة الى “قواعد اشتباك” تنسجم مع  قواعد اللعبة بعد اغتيال قاسم سليماني الذي تجاوز الخطوط الحمراء، مما يعني ان مرحلة ما قبل قاسم سليماني تختلف عن مرحلة مابعد قاسم سليماني في الاساليب والفضاءات والنتائج لخلق شرق اوسط جديد بمقاسات اقليمية تعتمد على مصالح بلدان وشعوب المنطقة.