الفيلم العراقي 2019.. حضورٌ في المحافل العربيَّة والعالميَّة

الصفحة الاخيرة 2020/01/14
...

حسين السلمان
تعدُّ دراسة الفيلم العراقي مهمة وطنيَّة تتطلب من جميع المهتمين المشاركة الفعّالة والصادقة لمناقشة هذا الفعل الإبداعي الكبير. فليس من المعقول ولا من الطبيعي أنْ نشهد تراجعاً عن ممارسة هذا الفن الجماهيري الذي عدّه الفلاسفة والعلماء من أهم وأخطر الفنون قاطبة. لقد حملت أفلام الشباب ذات التناقض الذي تحمله المتغيرات الحاصلة في الوضع الاجتماعي والسياسي، لذا فقد ذهبت تبحث عن شخصياتها، بل إنَّ مجمل موضوعاتها نابعة ومتجسدة في الفوضى السائدة في المجتمع العراقي الجديد.
تبحث في الوقت ذاته عن أحاسيسها وتعاطفها مشاركة منها في جميع التحولات الحاصلة في تركيبة الإنسان، الذي يشكل جوهر الموضوعات في غالبيَّة الأفلام، إذ تظهر حالات استلاب للميراث الإنساني، حالات هروب وانسحاب من الواقع بفعل المأزق الكبير لانهيار عددٍ من أساسيات منظومة الأخلاق والقيم. وهنا نشير إلى أفلام: "الرسالة الأخيرة"، و"من سيهذي أيضاً"، و"لا تخبروا أنجلينا"، و"عودة الروح"، و"الرمق الأخير".. تتميز أفلام هذا العام بمحاكاة مريرة للواقع العراقي في فترة من أعقد الفترات التي مرَّ بها ما بعد 2003، لذا فإنّ شخصيات الأفلام تنتمي إلى ذلك الترابط الحقيقي مع معاناة الإنسان متجسّدة في أفلام على شاكلة "موصل 980"، و"شارع حيفا"، و"التحدي"، و"أنا أقدر"، "العدسة السوداء".
 
روح الشباب
 وكل ما قدمه الشباب ينتمي إلى الإنتاج السينمائي المستقل، وهو الذي يشكل قاعدة الانطلاق الأساس، لكنْ من جهة الإنتاج العام ــ الإنتاج الحكومي الذي يعاني من نكوصات كثيرة، حيث إنَّه لم يستطع أنْ ينتج أو يسهم إنتاجياً إلّا ما أعلنه هذا العام عن نيته بإنتاج أفلام روائيَّة طويلة وقصيرة وكذلك أفلام وثائقيَّة، ورصدت مبالغ مناسبة، نوعاً ما، وقد تشكلت لجان ووضعت خطط ميدانيَّة وتم الإعلان عن مسابقة، إلّا أنّ هذا لم يتحقق منه شيء على أرض الواقع حتى الآن.
لقد اتسمت حركة السينما المستقلة بصناعة سينما تمتلك من الحيويَّة ما جعلها قريبة من حقيقة الحياة، لأنّها تهتم بحقائق الإنسان الصغيرة، ولأنها الأقرب إلى طريقة الحياة التي يعيشها الناس البسطاء، على الرغم من أنها في أحيان تأتي عموميَّة التوجه، لكنها ذات ترابط وعلاقة أخلاقيَّة مع المجتمع، وهي بقدر كثيراً ما تغوص في مناطق خطيرة لم تكن مألوفة أو متداولة من قبل، فإنّها تظل محرّكاً مهماً في
إرساء قواعد لبناء سينما من طراز خاص.
 
تفكير جديد
هنا من الضروري جدا أنْ أشير وباعتزازٍ كبير إلى الشباب الذين ينشغلون بصناعة معقدة وتتطلب جهوداً استثنائيَّة للغاية. أقصد أولئك الشباب الذين قدموا أفلام الانيميشن الجميلة، التي أصبح لها حضورٌ محليٌّ متقدمٌ مثل: "الروليت الروسي"، و"الهاوية"، و"الحرية"، IAD""، و"موسيقيتي"، وهنا يتجسّد دورٌ متميّز للمخرج أنس الموسوي الذي يتواجد في كل فيلم من تلك الأفلام لما يمتلك من حبٍ كبيرٍ في مساعدة زملائه وإرساء قواعد لهذا الوليد الجديد والضروري بالنسبة لنا.
وأشير أيضاً إلى ما أنتجه إقليم كردستان العراق من أفلام روائيَّة طويلة وقصيرة وكذلك أفلام وثائقيَّة أيضاً. وهو يعمل بشكلٍ متقدم ووفق خطط إنتاجيَّة جيدة، فضلاً عن الدعم الكبير والاهتمام المتزايد من لدن السلطات هناك. وأشير على سبيل المثال لأفلام روائيَّة قصيرة وطويلة: (الضحك والنسيان، الثلج الدافئ، إرهابي في الضباب، تمثال القلب، القنبلة الذريَّة) وغيرها. ومن المهم والضروري التأكيد على الحضور العربي والعالمي للفيلم العراقي، ليس فقط هذه السنة، بل منذ انطلاق إنتاج السينما المستقلة، والذي كثيراً ما كان يتجلى بالحصول على جوائز متقدمة في مهرجانات معروفة وفي مجالات متعددة. لقد تجلت ومنذ سنوات ظاهرة رائعة أخرى وهي ما يقوم به الزملاء السينمائيون في المنافي بإنتاج أفلامٍ لها حضورٌ مفرحٌ في المهرجانات السينمائيَّة العالميَّة الرصينة وقد حصلت على مقبوليَّة كبيرة من صناع السينما العالميَّة. عموماً يمكننا أنْ نقول وباعتزازٍ كبير إنّ الفيلم العراقي، على الرغم من كل ما يعانيه من إشكاليات جسيمة، فإنّه يتنفّس حضوراً بطرق متقدمة تؤكد أنّه سيشكل قفزة من خلال تحوله نحو صناعة الفيلم الروائي الطويل.