التخوين الثقافي

ثقافة 2020/01/18
...

  حميد المختار 
 

قبل أن أدخل في عرض فكرتي المهمة التي نعيشها اليوم بحرارة وجدارة أحب أن أكتب في المقدمة بعضاً من مقولات الفيلسوف الفرنسي (لوك فيري) الذي يقول: الثقافة لا تمنع أحداً من أن يكون سافلاً: ويقول تعلّمنا من النازية والتطرّف الاسلاموي أنّنا يمكن أن نكون مثقفين ونستسلم للموت والعنصرية والعنف فـ (هايدغر) مثلاً هو أعظم فلاسفة القرن العشرين ومع ذلك كان هتلرياً ومعادياً للسامية، وكانت المانيا اكثر الدول ثقافة خلال سنوات 1930، فهي الدولة التي كان لديها النظام المدرسي والجامعي الاكثر تطوراً في العالم لكنها مع ذلك تورطت في الهمجية كما يقول (مارتن لوجروس) دون ان يلقى ذلك مقاومة تذكر من غالبية النخب المثقفة، ويقول الفيلسوف (فيري): خيانة الثقاة أسوأ خيانة، ان اكبر وهم ورثناه عن عصر الانوار ان تقدّم الحضارة وتقدم الاخلاق رديفان، في حين ان التربية الاخلاقية لا صلة لها بالتكوين الفكري ولا بالثقافة، ان تبديد هذا الوهم كان اكبر اكتشاف خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وما يخشاه هذا الفيلسوف، أخشى اننا لم نتفطن بعد الى ذلك... أسوق هذه الافكار وأعود الى موضوع المثقف العراقي في الازمات منذ سنوات الدكتاتورية البغيضة وحتى الآن ما الذي تغيّر؟، لقد كان مثقفو النظام يخونون زملاءهم جميعاً بحجة أنهم غير وطنيين بل هم يعادون العراق ويقفون في صفوف أعدائه فصاروا مرتدين وخونة، واليوم صارت المواقف أصعب لانها تداخلت واختلط حابل الثقافة بنابلها وكل هذا غلّفته الطائفية والاسلاموية والعلمانية المتطرفة، فالمثقف الذي يؤدي فروضه الدينية يبعث على الريبة والشك لانّه سيكون في النتيجة طائفياً بحكم ميله الى طائفته لا الى ثقافته، وأعود لأذكّر بقول الفيلسوف الفرنسي (فيري) لأقول والثقافة أيضاً لا تمنع أحداً من أن يكون دينياً يؤدي فروضه اليومية ويحب بلده ويدافع عنه بروحه ما الضير في ذلك؟ لماذا هذا التخوين كما لو أنّكم عدتم الى حقبة البعث السوداء التي خوّنت الحجر والمدر، لماذا أكون خائناً لبلدي إن عبرت عن رأيي بصدقٍ، في الوقت نفسه انا لم أخوّن أحداً ولا أقول ان الآخرين هم جواسيس اميركا او ذيول ايران او غيرها، وها أنا أصرخ بأعلى صوتي لا للتدخل الاجنبي والاقليمي في بلدي، العراق سيد نفسه كما قالت المرجعية وعلى الجميع ان يقف معها ويضعها نصب عينيه، وعلينا ان لا نكون احاديين وننظر الى الامور بعين واحدة، لنرفض الجميع حتى نكون مع العراق قلباً وقالباً بلا تخوين ولا تزيين وتلميع لدولة على حساب الاخرى، بينما يظل العراق وحيداً ينظر الى ابنائه المنشقين والمنفلتين والمتشرذمين، عودوا الى بلدكم ثانية والعنوا من كان سبباً في فرقتنا وضياعنا.