فانتازيا الفضاء النسوي

ثقافة 2020/01/20
...

ابتهال بليبل
 
ظهرت مؤخراً الكثير من مراكز التسوق و«المولات» التجارية الضخمة التي تزين داخلها بتصاميم حديثة وألوان زاهية وديكورات تقترن بميزات الجاذبية والرومانسية، وكأنها فانتازيا تدفعك لاختبار وجودك في مكان آخر غير الذي اعتدت عليه. 
معايير التصاميم والديكورات الحديثة التي استوقفتني في هذه الأماكن أو المتاجر وربمّا المقاهي وغيرها كانت تلميحاً إلى أن الكل تقريباً، يسعى الآن، بلهفة لاستخدامها والاستعانة بتقليعاتها: لقد كشفت عن عوالم تبتلع الأشكال البنيوية السابقة والمتوقعّة، وتشجّع على التوهم بتلاشي أزماتنا الذهنية، وتحديات في عملية بناء المكان كشكل من أشكال الإنتاج الثقافي.
إذ كانت الثقافة المادية تقترح بشكل أو بآخر سلطة ذكورية، وبصورة أكثر دقة، تتجاهل بشكل منتظم تمثيل النساء، ومحاولاتها للتملص من مفاهيمهن بمنحهن مسؤولية تنظيف الفوضى-مجازياً- الفوضى بوصفها نمطا استهلاكيا للمخيلة البطريركية وكجزء من تفاصيل يومية تبدو اعتيادية، ولكنها تسيطر على كل شيء في البيوت والأسواق والمحال التجارية والشوارع وتتحكم في هويتك فتختزلها وفق نظام مهيمن، وفي حاجاتك من أثاث وثياب وغير ذلك فتختارها لا لجمالها، دائماً، أو لأنها تُعجبك بل لقدرتها على البقاء والتحمل.
وهنا الدليل على أنّ إعادة تشكيل الفضاء النسوي وكذلك تدمير العلاقة المحصورة بين المكان والسلطة الذكورية يحتاجان لممارسات يومية وفكرية غير مغلقة عن وجود الجسد الأنثوي، حيث بالإمكان أن نتغلب على الإرث الثقافي الذي تركه تسييس لكائنات –جندرية- أثرت في العلاقة بين المرأة والمكان، فكانت الكثير من تفاصيل الأمكنة بالنسبة للمرأة نوعاً من عدم -الانتماء، أو التشابه- الداخلي.
لهذا أقول: تزداد مسوِّغات الاستجابة للتقليعات الحديثة في تصميم الأماكن والمساحات وحتى الأشياء الاستهلاكية مع تزايد ظهور شخصية المرأة، وهو ما يفتح الباب لتعيد ترتيب وإنتاج بنية جديدة، بعيداً عن تورطها جسدياً وحسياً بمقاييس اقتصادية واجتماعية، وتتعامل معها سواء مادياً أو جمالياً، من أجل تحويلها إلى مساحة ذات أبعاد ثقافية.  
يحضرني هنا، مثلاً، خيار استخدام مقاعد مصنعة على شكل عربات الخيول أو «سندريلا” في أحد مطاعم العاصمة بغداد، علماً، أن هذه العربات معروفة بكونها تؤسس لفكرة حالمة خيالية وسطحية، ومع ذلك تشكل استثناء ملحوظاً يشرح ليّ كيف أن انتاج بيئة جديدة مرهون، هنا، بالاتصال بين عهدين أو عالمين. وفي الوقت نفسه، يربط امرأة هذا العصر بمقاييس عالمية من الماضي لإعادة ترتيب علاقتها مع المكان من خلال هذا التفاعل. 
ومع هذا التفاعل ترتبط النساء مبدئياً بإنتاج المعنى الجديد، ويصبح من الواضح أن هذا المعنى قد اتخذ، بالفعل، شكلاً مغايراً لأننا نتصرف، كما يقال -على أساس المكان- في هذه الحالة، المرأة، أو بالأحرى وجودها يعمل مع وعيها وذوقها ولكن بطريقة جزئية لغرض إثراء الفضاء النسوي.  
من الممكن أيضاً لامرأة أن تشعر- في كثير من الأحيان- أنّ الأماكن منهكة، لأنها مثقلة بتصاميم وديكورات لا تتناسب مع ما ترتديه من ثياب وأن وجودها فيها يجلب نوعاً من الشعور بالإهمال والاقصاء.  
لا أتخيّل انحسار هذا الشعور على ما نرتديه فقط -أظنها– اقصد التصاميم مرتبطة بالأنظمة ومتداخلة مع الذات. بهذا المعنى ليس هناك أكثر إهمالاً أو أقلّ، أكثر بعداً أو اقتراباً.. هناك فقط ما يتمثل بثقافة مادية متصلة بمفاهيم النساء أو منفصلة عنها.