رواية عن معركة جيوسياسية
ثقافة
2020/01/20
+A
-A
الكتاب : خسارة عدو : أوباما وإيران وانتصار الدبلوماسية
المؤلف: تريتا بارزي
الناشر : الدار العربية للعلوم ناشرون
طرحت الدار العربية للعلوم ناشرون٬ النسخة العربية من كتاب (خسارة عدو.. أوباما وإيران وانتصار الدبلوماسية) ومن تأليف تريتا بارزي. يركز الكتاب على الجغرافيا السياسيّة والسياسة الخارجية، وعلى الكيفية التي تفادى من خلالها زعماء إيران، والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين الخطر المزدوج٬ المتمثل في الحرب
الكتاب يسرد القصة الثلاثية الأطراف معركة جيوسياسية متشابكة أوليا بين الولايات المتحدة، إسرائيل، وإيران، والمصالح الأمنية للولايات المتحدة وإسرائيل، والتي لم تتطابق بالكامل أبدا، وتباعدت على نحو متزايد بعد الحرب على العراق في العام 2003، كما ان العداء بين الولايات المتحدة وإيران لم يكتمل أبدا أيضا. المؤلف يكتب كمشارك في الأحداث التي يصفها، وكشخص يبدي وجهة نظر واضحة. وفي هذا الإطار، كان داعما بارزا للدبلوماسية الأميركية مع إيران، إذ ان تريتا بارزي كان يتمتع بإمكانية ممتازة للوصول إلى الفرق الأميركية والإيرانية. لذلك، استخدم تلك الإمكانية لبناء سرد يصف فيه المرحلة النهائية للمحادثات الدبلوماسية فهو يقدم تفاصيل من شأنها أن تهم أولئك الذين يتابعون إيران، أو عدم انتشارالسلاح النووي، أو المفاوضات الدولية.
الخيارات الصعبة
يقول المؤلف : بحلول العام 2015، سعت إدارة أوباما إلى منع إيران من الحصول على سلاح نووي، ولكنها كانت قلقة بالقدر نفسه من اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران. وعلى الرغم من أن (الخيار العسكري) يعد مصدرا للنفوذ الاميركي، إلا أنه لم يكن في الواقع لصالح الولايات المتحدة. ومن جهتها، يبدو أن إيران ليست على عجلة لامتلاك سلاح نووي. وفي الواقع أنه حتى مع توسع بنيتها التحتية النووية وتضاؤل (زمن الاختراق)، لا تزال العقبات التي تعترض سبيل التسلح النووي محفوفة بالمخاطر، لا سيما من احتمال وقوع هجوم عسكري مدمر. وبدلا من ذلك، لربما كانت إيران تهدف إلى الحفاظ على خيار إنتاج الأسلحة النووية في المستقبل مع المحافظة على تخصيبها للوقود النووي، والقيام بالبحوث والتطوير، وتعزيز قدرات الصواريخ مع إزالة عبء العقوبات المفروضة.
في سياق تاريخ الأزمات الطويل حول برنامج إيران النووي، بدءاً من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يمكن بسهولة الحصول على الانطباع بأن الغلبة كانت لإيران ؛ إذ لم يتم بعد البت في المرافق النووية التي كانت سرية في السابق. وقد تم التخلي إلى حد كبير عن الجهود الرامية إلى وقف تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية أو إلى تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية.
مجموعة {الخمسة زائد واحد}
الكتاب يصف بالتفصيل المحادثات الدبلوماسية المحمومة بين عامي 2012 و 2015 التي أسفرت على التوقيع على الاتفاق النووي. بين اميركا ومجموعة الخمسة زائد واحد أي (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) نالوا ما سعوا إليه أيضا، حتى لو لم يرد ذلك في نص الاتفاق. فقد حصلوا على فرصة إرجاء المزيد من الحروب المحتملة في الشرق الأوسط التي أنهكت الولايات المتحدة وأوروبا على وجه الخصوص. وما إذا كان أوباما محقا في التركيز على هذا الهدف، أو ما إذا كان قد قدم الكثير من أجله، كان وسيبقى موضع خلاف. ولكن ما يبدو جليا هو الاتجاه المماثل الذي ينتهجه الرئيس ترامب على ما يبدو في تقليص الالتزامات العسكرية الأميركية بدلا من زيادتها على الرغم من
كلامه القوي.
يؤكّد تريتا بارزي أن خطاب بوش المعروف بـ(محور الشر) في كانون الثاني 2002 أنهى أي فرصة للحوار بين الولايات المتحدة وإيران. ولكن في أواخر ربيع 2002، أعيد فتح قناة أمريكية - إيرانية، مما أدى إلى قيام إيران بدور مساعد في العراق. هنا نستخلص إلى أنه كانت هناك مبالغة إما بالفائدة الكبيرة لإيران في العراق، وإما بتأثير عبارة (محور الشر) ويرى إن تفاصيل الاتفاق النووي كانت خارجة عن السياق كليا لأنهم في الواقع قد عملوا بدافع الخوف من خسارة عدو أو إعادة التأهيل السياسي لإيران، ويوضح المؤلف في سياق تاريخي (بعد انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، استطاع العمانيون فتح قناة اتصال مباشر مع المرشد الإيراني الأعلى. انتهت المفاوضات بتوقيع الاتفاق الذي التزمت إيران بموجبه بالتخلص من مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب وتقليص برنامجها عبر تحديد عدد أجهزة الطرد المركزي، ثم السماح بتفيش منشآتها النووية. ووفقا لرأي تريتا بارزي فإن ثمة عوامل عدة ساعدت في التوصّل إلى الاتفاق، أبرزها رغبة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التخفف من أعباء الشرق الأوسط، الذي بدأ يفقد أهميته الستراتيجية، والتوجه نحو شرق آسيا. ويشير المؤلف إلى أن أوباما كان يعتقد أن (الشرق الأوسط غير قابل للإصلاح، وكلما تفاعلت الولايات المتحدة مع مشكلاته، زادت الأمور سوءا، وتحملت الولايات المتحدة المزيد من اللوم على معاناة المنطقة. ولم تقتصر المباحثات بين الجانبين الأميركي والإيراني على الشأن النووي والعقوبات، بل تعدتها إلى قضايا أخرى ساخنة في المنطقة، وفي رأي إدارة أوباما فإن لإيران دورا مهما ينبغي أن تلعبه في هذا الشأن وفي غيره من قضايا المنطقة. وقد أبدى أوباما إعجابه ببراغماتية قادة إيران، بعد تفاعله معهم، وتكونت لديه قناعة بأن القادة في طهران واقعيون وعقلانيون ويسعون خلف مصالحهم، و(ان الإيرانيين يتخذون باستمرار قرارات محسوبة تساعدهم في الحفاظ على نظامهم، وتوسيع تأثيرهم، وتتيح لهم انتهاز الفرص) وقد أدى تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، بسبب ستراتيجية أوباما الهادفة إلى إعادة التموضع الستراتيجي في شرق آسيا، إلى انهيار شبه تام للنظام الإقليمي في المنطقة، الذي بدأ أساساً في الانهيار بعد 2003 العراق)
صورة لجنود البحرية
في خضم المحادثات جرت حادثة احتجاز القوات الايرانية للبحارة الأميركيين مطلع العام 2016 يشير الكتاب، لردود فعل المسؤولين الأميركيين، عند استقبالهم خبر احتجاز طهران لجنودهم (وصل خبر اعتقال إيران، جنود البحرية الأميركية في مياه الخليج لوزير الخارجية جون كيري، ووزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، في بداية الأمر كانوا في حالة من الفزع و التساؤل حول تواجد الجنود في المياه الدولية أم فعلا اخترقوا المياه الإيرانية؟، وكيف خرجوا من المياه الدولية باتجاه إيران، ولماذا؟ وهل هذه الحادثة كانت محض صدفة أم أنها فعلة لعرقلة توقيع الاتفاق النووي بين إيران و الغرب؟
كانت الساعة 21:30 بتوقيت طهران و 13:00 تماما بتوقيت واشنطن، رن الهاتف، رفع السماعة ظريف، وقال (لو لم تتصل أنت لكنت أنا المتصل) وأوضح كيري مباشرة لظريف أن الجنود كانوا بطريقهم من البحرين إلى الكويت لكن بسبب عطل فني في المركبة البحرية، خرجوا عن مسيرهم و لم يقصدوا اختراق الحدود البحرية لإيران و أكد كيري كذلك على أمن وسلامة الجنود وأنها من أولويات الإدارة الاميركية وشدد مرات عدة على إيجاد حل سريع للمسألة و أشار إلى النتيجة الإيجابية التي ستكون مثل نقطة عطف في العلاقة المعقدة بين الإدارتين وامكانية تجاوز الأزمات، أما في حال عدم التوصل إلى حل في أقرب وقت ممكن، سيؤدي ذلك الى هدم جميع الأمور وإلى إلغاء تنفيذ الاتفاق النووي، المقرر تفعيله آنذاك. بعد انتهاء المكالمة قرر الطرفان معاودة الاتصال بعد ساعة، ليجري ظريف بعض الاتصالات لتأمين عودة جنود البحارة وليخفف كيري من حدة التصريحات السياسية الأميركية، بهدف قطع الطريق على تدهور الأوضاع أكثر. بدورها اعترفت وزارة الدفاع الأميركية بدخول جنود البحرية إلى المياه الإيرانية وأنهم في صحة جيدة ويعاملون بصورة حسنة. ويشير الكتاب إلى أن ما يلفت النظر في هذا الموضوع هو تجاوب المسؤولين الأميركيين مع ظريف، بعدم استخدامهم للغة التهديد إذ صرح أحد مسؤولي الوزارة للإعلام أن (الحكومة الإيرانية تعاملت مع الأزمة بشكل مهني و احترافي).
عاود ظريف وكيري الاتصال مرة أخرى بعد ساعة من انتهاء المكالمة الأولى، وتقدم ظريف بتقرير كامل عن أوضاع الجنود المحتجزين و قال له :الآن حل الليل في إيران ومن الأفضل أن نحررهم في صباح الغد.
في أثناء المحادثة سمع ظريف من هاتفه الآخر، أحد ضباط الجيش يتحدث عن اقتراب قوات بحرية إضافة إلى حوامة حربية أميركية من الجزيرة التي تم احتجاز جنود البحارة الاميركية بها.
وهدد بحدوث كارثة إذا تم اختراق الحدود الإيرانية إذ ستؤول الأمور إلى الدمار و الخراب. عندها قال ظريف لكيري لتهدئه الأوضاع ((من فضلك، قل لقواتكم البحرية إلاّ تقترب من الجزيرة نحن لا نسعى وراء المواجهة العسكرية، لكن في حال اقتربت قواتكم العسكرية من الجزيرة، سنواجه أزمة حقيقية)).
مباشرة قطع كيري الاتصال واتصل بالجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة وقال له ((مع اقتراب قواتنا العسكرية للحدود الإيرانية، سنرجح كفة المواجهة العسكرية، والإيرانيين تصرفوا بشكل إيجابي إلى هذه اللحظة وسيتم تحرير الجنود غدا صباحا، ))
ولإثبات صحة وسلامة الجنود المحتجزين، أرسل ظريف صورة للجنود وهم في قبضتهم عبر البريد الإلكتروني إلى وزارة الخارجية الأميركية، أراد ظريف من كل هذا، أن يسيطر على الأوضاع على صعيد الجبهتين،
باراك أوباما
علق الرئيس الأميركي باراك أوباما بقوله على الحادث : ((بعد عشرات السنين من الخلافات التي حدثت بيننا و بين إيران والانقطاع الدبلوماسي المباشر في عهدة الرؤساء السابقين، لم تكن نتيجته جيدة و لم نتوصل إلى منافعنا من خلاله، وكان الحل الأنسب للحفاظ على الأمن القومي للبلاد، من خلال القوة و الثقة التي نمتلكها إضافة إلى المفاوضات ورأينا نتيجة ذلك من خلال التوصل إلى اتفاق نووي و تحرير جنود البحرية الأميركية بأقل من يوم واحد وتبادل عدد من السجناء السياسيين
بين البلدين)).