تحفة فنية

الصفحة الاخيرة 2020/01/21
...

علي حمود الحسن
أهداني الصديق المهندس كريم حليوت، مشكوراً، مكتبة سينمائية معتبرة، تضم مصادر ومراجع كلاسيكية، معظمها اقتنيتها في مكتبتي المتواضعة، والبقية اطلعت عليها بحكم المتابعة والتخصص، وهي فرصة لتعويض ما فقدته واستبدال التالف منه، وبينما كنت منهمكاً في ترتيب الكتب وفرزها، لاح لي كتيب صغير، بعنوان" تاريخ السينما في العراقي " من تأليف محمد حسن الخالصي، صادر في بغداد العام 1958، تصفحت أوراقه المتهرئة الصفراء برفق وحنو، فتيقنت أني وقعت على كنز وتحفة نادرة، لسببين؛ أولهما ان الكتاب الذي لا تتجاوز صفحاته السبعين، يكاد أن يكون رائداً في حقل النقد السينمائي، فعلى حد علمي لا يوجد غيره في تلك الفترة.
والسبب الثاني لأهمية هذه الصفحات التي تكاد تتفتت بلمسها، هو ان كاتبها اقترب من جوهر النقد، الذي يتناول عناصر اللغة السينمائية وتوظيفها الخلاق في سرد الاحداث، بعيداً عن عرض الأفلام التقليدي، الذي كان شائعاً في الصحافة العراقية يومئذ، فالخالصي لديه خطة واضحة لما يكتب، فنراه يعايش مراحل تصوير الفيلم ويعرف تفاصيل كواليسه، وينتقد فريق العمل بموضوعية، وغالباً ما يستعرض  احداث الفيلم وظروف انتاجه، ويسرد قصته بإيجاز، ثم يقيمه نقدياً؛ ابتداءً بالتمثيل 
ومروراً بالصوت والتصوير والحوار والفن الهندسي (المونتاج) والسرد الفيلمي والإخراج وانتهاءً برؤية عامة يستخلصها، وهي سابقة في زمن ساد فيه النقد الفني الاستعراضي، الذي غالباً ما يكون عرضاً ترويجياً للفيلم،  يتصدى له صحفيون وكتاب في الجرائد والمجلات الدورية، نذكر منهم: وليد صفوت، وسعدون فاضل، وعدنان مبارك، ونوري الراوي، وسامي عبد الحميد، ويوسف العاني، كما صدرت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي مجلات متخصصة بالفن السابع على شاكلة: مجلة " سينما" لصاحبها المخرج كاميران حسني، و"سينما اليوم" لقاسم حول ونجيب
عربو .
تاريخياً نشرت جريدة "صدى بغداد" اول موضوع عن السينما في العام 1911، بينما عدت مقالة الراحل سعاد الهرمزي في مجلة "قرندل" الصادرة في العام 1949عن فيلم "عليا وعصام"، هي اول كتابة فنية تتناول اللغة السينمائية للفيلم .  
وتضمن الكتاب مقدمة  تُعّرف بمادته ومؤلفه، طغى عليها الاسلوب الانشائي، كتبها مشعل التميمي، فضلاً عن أربع مقالات ترصد أفلام انتجت في تلك الفترة، هي: "ندم" للمخرج حسين السامرائي، و"من المسؤول" من اخراج عبد الجبار ولي، و"وردة" ليحيى فائق، و"سعيد أفندي" لكاميران حسني. 
والطريف ان الخالصي شخص مجموعة أخطاء في فيلم "سعيد أفندي" اذ كتب في الصفحة 54 من كتاب "تاريخ السينما في العراق": "سعيد افندي فيلم جدير بالتشجيع، لكن فيه هفوات قليلة منها: ان قبعة مساعد المخرج الثاني ظهرت أثناء التلقين، وهذه نقطة يؤاخذ عليها المصور،  كذلك ان سوسن حسني كانت تجلس سافرة قبالة دكان ابيها الاسكافي( جعفر السعدي)، ثم ارتدت العباءة، وهذا يحسب على كاتب السيناريو والسكربيت".