د. بشار قدوري
إن دور الوسيط الإقليمي عبر التاريخ المعاصر يتمثل في بريطانيا العظمى في أربعينيات القرن وامتد حتى السبعينيات، إذ كانت أغلب دول المنطقة تتبع انتداب المفوض السامي البريطاني في تلك البلدان العربية، وكانت السياسة الخارجية لتلك البلدان تدار من قبل بريطانيا، فما كان ثمة دور لدول الخليج العربي في أيّة وساطة بسبب تبعية تلك البلدان الى بلد واحد، والسبب الآخر هو أن تلك البلدان أنفسها كانت ضعيفة ويمزقها الفقر والقحف، وأنظار العالم نحو الحرب العالمية الثانية والعرب والخليج كان بعيدا عنها.
لكن في عقد الستينيات كان الدور الرئيس لمصر في الوساطات بالمنطقة، فكانت تتدخل في السودان وفي اليمن وفي سوريا والعراق كذلك، وكانت تدير الوسيط الإقليمي في الصراع العربي الإسرائيلي مثلا على ذلك معاهدة كامب ديفيد ودور السادات.
أمّا في مرحلة السبعينيات حين اتخذت أغلب الدول العربية، والخليجية تحديدا، شكلها الطبيعي بعد ترسيم حدودها ورسم سياساتها الخارجية بأنفسها مثل الإمارات العربية وسلطنه عمان، ومع هذا التطور في السياسة الخارجية والدبلوماسية لبلدان الخليج، لكنها لم ترتقِ الى حل نزاع سياسي أو نزاع عسكري كالذي حصل بين طرفي المعادلة العراق وإيران في اتفاقية الجزائر، التي وقعت بين العراق وإيران في 6 آذار/ عام 1975، وبإشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين، ولم تستطع دول الخليج العربي التوسط بين البلدين وكانت الجزائر تمثل الوسيط الإقليمي .
أمّا في فترة الثمانينيات والتسعينيات، فكان دور الوساطات في الخليج العربي موكولا الى السعودية لدخول أميركا وتوسع قواعدها العسكرية هناك، وكذلك فتور السياسة وارتفاع صوت المعارك في حرب الخليج الأولى والثانية، فلا يوجد دور للدبلوماسية والوساطة الإقليمية في الخليج. أمّا في الصراع العربي الإسرائيلي، فقد كانت مصر متصدرة الوسيط الإقليمي، وكان هناك دور بسيط للأردن التي شقت لنفسها نصيبا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبعدها الاستراتيجي في الراعي الشرعي للقدس.
بعد 2003 تغير الصراع في المنطقة وأصبح النفط غاية مهمة وسببا للتدخل العسكري والسياسي وكذلك الصراع الإسرائيلي العربي مما جعل مصطلح صفقة القرن يظهر، أول مرة، بشكله الواضح والصريح. ومنذ ذلك الحين ومرثون صفقه القرن قد بدأ، وبعض دول الخليج تراوح أمام باب البيت الأبيض و تل أبيب من أجل تمثيل دور الوسيط الإقليمي في المنطقة، ولقاءات معلنه وأخرى غير معلنه. إن صفقة القرن ستجمع كل الصراعات الإقليمية، وبشقيها الخليجي الايراني، والفلسطيني الإسرائيلي، وتكون في بوتقه واحدة، لكن الحل لا يرضي الطرف الفلسطيني ولا الإيراني بهذه الصفقة على أقل تقدير.
في السنين الخمس الماضية، لعبت سلطنة عمان دورا كبيرا في التوسط بين الأقطاب المتنافرة، وبين القوى وأطراف الصراع، فمن جهة الصراع العربي الإسرائيلي كان دور عمان للتوسط الإقليمي، ومن جهة الصراع الخليجي الإيراني (السعودية والإمارات) ومعارك اليمن مع التحالف الأخير، كان قابوس، الراحل، وسيطا فعالا في المنطقة، ويمثل الطرف الوسيط الإقليمي، فكان يزور ويلتقي الإسرائيليين من دون حاجب، وكذلك أطراف الصراع في اليمن .
من يملأ فراغ الوسيط الإقليمي؟
لعبت قطر دورا فعالا في السنين الأخيرة من خلال وزير خارجيتها الذي استغل وفات قابوس الراحل ليملأ الفراغ الذي تركه الأخير، ففي التوتر الأخير الذي حصل في بداية هذه السنة من استهداف مباشر لأمن إيران واغتيال الرجل الثاني فيها وكذلك الرد الإيراني على القواعد الأميركية، و ما مثله هذا إعلان لحالة حرب كبيرة في المنطقة، و حتى حادثة سقوط الطائرة، مثلت لقطر فرصة للعب دور الوسيط الإقليمي لعدة أسباب أهمها .
1- وفاة قابوس وسد الباب أمام الكويت التي تريد أخذ هذا الدور الإقليمي .
2- منفذ للخروج من حصارها السياسي أمام التحالف السعودي الإماراتي البحريني المصري، وتتجاوز هذه العقبة بطريقة بروزها أمام السياسة الدولية والإقليمية كوسيط
3- تقوية موقفها أمام الشعوب العربية والإسلامية بأنها عنصر توازن بين القوى العالمية وإن كانت في أقصى آسيا أو المشرق والمغرب العربي أو بأفغانستان وطالبان أو المشاكل الأمريكية التركية السورية الليبية.
لذلك، مع كل هذه الأسباب، فإن قطر تعمل جاهدة على الحصول على هذا الدور الإقليمي من أجل حاضرها و مستقبلها، فإن السياسة تبنى على اساس أن تكون بلدا قويا لضمان الأمن القومي.