القراءة والنهايات {وشيكة}

ثقافة 2020/01/25
...

  حميد المختار 
- لم يكن هناك عصر ذهبي للقراءة الجدية في اميركا، لكنني لا اذكر في أي وقت مضى وضعاً حزيناً للكتب كالذي نعيشه اليوم، وسيكون اسوأ غداً، واكثر سوءاً في اليوم الذي يليه... هذا ماقاله فيليب روث وهو يتوقع وفاة وشيكة للرواية، وهي دلالة على نهاية سوداوية للادب بشكل عام وانا لست من المتشائمين، لكن ثمة حقائق علينا ان ندركها ونتوقع الاسوأ، ففي اعوام الثمانينات من القرن المنصرم، صار استسهال الكتابة والنشر والاشتراك في المسابقات وتأسيس ادب الحرب الفوري والارتجالي، كل ذلك ساعد على انتهاك قدسية الكتابة وقبلها القراءة ومن ثم صارت وسائل النشر السريعة في الصحف والمجلات والسلسلات الادبية التعبوية كل ذلك ساعد على تسطيح مفاهيم الكتابة وعجل في نهاياتها، لي صديق يكتب القصة في مؤسسة حكومية في فترة الثمانينات جاء لينصحني بضرورة الكتابة والنشر السريع في الصحف لانه يدر ربحاً وفيراً ورزقاً لا يستهان به، قلت له: كيف تسيطر على وقتك؟ انت تكتب بغزارة فمن جهة تكتب لتشارك في المسابقات الحكومية وتكتب القصة وتنشرها في الصحف وتكتب العروض الصحفية للمجاميع القصصية والروايات ومن اين لك الوقت الكافي لكل هذا، قال لي بالنسبة للعروض فانا لا اقرأ الكتاب من الغلاف الى الغلاف، انما اقرأ بعضاً من المقدمة ثم الوسط واقرأ بضعة اسطر من نهاية الكتاب واعرف بعد ذلك مرامي ومقاصد القاص من الكتابة ثم اكتب عن المجموعة وأنشر مقالتي بسرعة، الامر لا يحتاج الى الكثير من الذكاء بامكانك ان تفعل مثلي، شكرته وعدت ادراجي ولطريقتي التي دربت نفسي عليها وهي طريقة شاقة ومتعبة يصل مستوى القراءة فيها الى 85 بالمئة والباقي للكتابة، ولهذا صرت من المقلين في كتابة الرواية والقصة وحتى المقالات، كل هذا صار واحداً من الاسباب التي جعلت الكتابة تنحدر نحو هاوية مظلمة، فضلاً عن القراءة التي اصبحت من النوادر ان كان بين المثقفين ام بين هواة القراءة والباحثين عن الروايات الجديدة، لكن ان تنحسر القراءة هكذا في اوربا فهو مؤشر مرعب حقاً ونحن في سفرنا نراهم في المترو وفي المقاهي والمتنزهات يحملون الكتيبات الصغيرة ويقرؤون بغزارة، اذن ماذا عنا نحن قراء الدول المتخلفة والنامية واين سيكون الكتاب وما هي مكانته الحقيقية في حياتنا؟ وفي هذه الحالة صار القراء قلة قليلة، وهم اقليات ثقافية مغتربة يعيشون على هوامش المجتمع بعيداً عن متون المؤسسات الحكومية وغيرها، ان ما قاله فيليب روث قد يثير الفزع لدى القارئ الاوربي والاميركي ولكنه سيكون امراً مألوفاً بالنسبة للقارئ العربي الذي صار همه هماً افتراضياً وهو يعيش صولات وجولات في عوالمه الافتراضية وانا اقصد المثقف طبعاً، هل ثمة ضوء في نهاية الكتاب يقودنا الى قراءة جديدة لكتاب آخر ... ذلك ما آمله واسعى اليه .