بري: لن نكون شهود زور في حفلة إعدام فلسطين!

الرياضة 2020/01/29
...

بيروت/جبار عودة الخطاط 
بالرغمِ من أنَّ المراقبين يعتقدون بأن الفرصَ المتاحةَ لتنفيذ صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى جانب رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي صعبة ومعقدة للغاية، فإن الأوساط اللبنانية تداعت الى التحذير من مغبة تنفيذ هذه الخطة وارتدادات عصفها المدوي على الواقع اللبناني المثخن بالأزمات والمشكلات،  ولعل مسألة توطين الفلسطينيين الذين يناهز عددهم ربع مليون لاجئ يتوزعون في عدة مخيمات فلسطينية على الأراضي اللبنانية، وما يعكسه ذلك من قلق وفتنة بالغة الحساسية على النسيج الديموغرافي اللبناني المعقد جداً، هو الهاجس الأبرز في بيروت . 
لبنان ودائرة الخطر
مصادر سياسية أشارت  إلى المحاذير والمخاطر الجمة التي ستفرزها  "صفقة القرن"، التي ستطول دولا عدة في المنطقة كالاردن ومصر ولبنان؛ لأن الخطة وضعت بإحكام بحيث تكون إسرائيل هي الرابح الأكبر وربما الوحيد فيها، بينما يبقى الفلسطينيون بما تفرضه الصفقة عليهم هم الخاسر الأكبر، والى جانبهم طبعاً دول «الطوق العربي».
ففضلاً عن الخسارة الفادحة التي يراد إلحاقها بفلسطين قضية وخريطة ومستقبلاً، والمملكة الأردنية التي ستنوء بموجب الصفقة بالعبء الأكبر، بحيث تجد نفسها أمام  خطر وجودي يهدد كيانها،  كوطن بديل  للفلسطينيّين، وكذلك مصر في ما يتعلق بدورها المرسوم لها بموجب الخطة، بحيث تكون في وضع المضطرّ وتتنازل عن أراض لها من شبه جزيرة سيناء، إضافة الى توطين عدد كبير من الفلسطينيّين على أرضها".
مصادر دبلوماسية أشارت الى أنّ لبنان يقع ضمن بنك أهداف "صفقة القرن"، أيضاً لجهة محاولة فرض توطين الفلسطينيّين على أرضه ودمجهم في الخريطة السكانية اللبنانية بشكل كامل،  ونوّهت بـ"الموقف اللبناني وإجماع جميع القوى السياسيّة على رفض التوطين انطلاقًا من العقد الاجتماعي المكرّس دستوريًّا"، وطالبت المصادر  اللبنانيّين بـ "اليقظة من محاولات خطيرة تخدم فرض التوطين على لبنان، عبر محاولة إرباك الوضع الداخلي في لبنان، سواء بفتن ومشاكل وربّما أكثر من ذلك" وكان رئيس الوزراء  الاسرائيلي بنيامين نتانياهو أشار الى مسألة التوطين عبر شطب حق عودة اللاجئين  بقوله خلال مؤتمر صحافي في واشنطن مساء الثلاثاء، إنه "لن يكون للاجئين الفلسطينيين الحق بالعودة إلى إسرائيل، بموجب خطة دونالد ترامب الجديدة للشرق الأوسط".
 
الدعم مقابل التوطين
 والسؤال الآن هو هل يضاف شرط جديد الى الشروط القاسية التي وضعتها  "المجموعة الدولية لدعم لبنان"، بتقديم مساعدات مشروطة من شأنها أن تنتشل الواقع الاقتصادي اللبناني المنهار، والتي أبلغتها المجموعة لرئيس الحكومة حسان دياب من خلال رسم جملة مطالب تريد تطبيقها من فريقه الحكومي كشرط لتقديم تلك المساعدات من الدول المانحة ومن المؤسسات النقدية الدولية، سواء من اعضاء المجموعة أو من خلال ما تمتلكه من قوة تأثير في الدول الأخرى، ليصار بعد ذلك الى وصول المدد الكفيل بمد يد الإنقاذ للنقد اللبناني، بحيث يعود عمل المصارف الى الانتظام عبر وضع ودائع بنحو من خمسة الى سبعة مليارات دولار، وصولاً الى انتعاش الليرة اللبنانية. السؤال الذي يثيره المراقبون الآن هل سيُفرض شرط جديد من قبل أميركا أو غيرها، هو  التزام لبنان بالتعاطي الإيجابي مع الشق الخاص به من صفقة القرن، وبالتالي القبول بمسألة التوطين كأمر واقع للحصول على العون المددي لاقتصاده المتعب؟!.. اللبنانيون أجمعوا على رفض ذلك نظرا لحساسية واقعهم السكاني المتعدد الطوائف. 
يذكر أن المسائل المطلوبة من لبنان كما أشار اليها سفير عضو في المجموعة، تتضمن سقف المطالب التالية: "مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من خلال تطبيق الستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وقانون مكافحته، ودعم استقلال القضاء من أجل ترسيخ الشفافية والمحاسبة، وتعزيز الحكم الرشيد والدعوة الى إصلاحات عاجلة وستراتيجية لوقف تدهور الوضع الاقتصادي، واستعادة التوازن النقدي والاستقرار المالي، ومعالجة أوجه القصور في الاقتصاد اللبناني، وتنفيذ خطة إصلاح الكهرباء، وإصلاح بنيوي جاد للمؤسسات الحكومية.
 
عون يتصل بعباس
الرئيس اللبناني العماد ميشال عون اعرب خلال اتصال أجراه قبل ظهر أمس الأربعاء بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، عن تضامن لبنان رئيسا وشعبا مع الشعب الفلسطيني في مواجهة التطورات التي نشأت عما بات يعرف بـ"صفقة القرن"، وشدد على أهمية وحدة الموقف العربي حيال هذه التطورات، مجددا تمسك لبنان بالمبادرة العربية للسلام التي أقرتها القمة العربية التي انعقدت في بيروت في العام 2002، لا سيما لجهة حق عودة الفلسطينيين الى أرضهم وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس".
وكان الرئيس عون عرض مع وزير الخارجية والمغتربين اللبناني ناصيف حتي خلال استقباله قبل ظهر الاربعاء في قصر بعبدا، ردود الفعل على اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ما سمي بـ"صفقة القرن" والمواقف العربية والدولية حيالها، كما تطرق البحث الى المواضيع الدبلوماسية المطروحة وتصور الوزير حتي لدور وزارته في المرحلة المقبلة.
 
 
رشوة بمال عربي! 
رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، أكد في بيان صادر عن مكتبه الاعلامي، " أن صفقة القرن تجهض آخر ما تبقى من الحلم الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهي رشوة لبيع الحقوق والسيادة والكرامة والأرض العربية الفلسطينية بمال عربي" .
وجدد بري " أن لبنان واللبنانيين لن يكونوا شهود زور في حفلة الاعدام الجديدة للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة وفي مقدمها حق العودة، ولن يقبل تحت أي ظرف أن يكون شريكا ببيع أو مقايضة أيٍّ من هذه الحقوق "بثلاثين من الفضة".
مضيفاً أن "صفقة القرن" بقدر ما تمثل من دعوة صريحة لتصفية القضية الفلسطينية، يجب ان تكون مناسبة لجميع الأحرار في عالمنا العربي والاسلامي بشكل عام وللشعب الفلسطيني بشكل خاص من اجل إعادة انتاج قوتهم المتمثلة بتصليب الوحدة الوطنية والمقاومة خيارا وحيدا لتحرير الأرض ولحفظ آخر ما تبقى من كرامة عربية".
بينما علّق رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق نجيب ميقاتي، على إعلان "صفقة القرن"، بقوله : "لا سلام يرتجى اذا لم ينل الفلسطينيون حقهم في دولة مستقلة عاصمتها القدس، وكل ما عدا ذلك مشاريع لن يكتب لها النجاح، ولا يمكن فرضها بقوّة الواقع او واقع القوة".
تواطؤ وخيانة
أما "حزب الله" فأعرب عن إدانته ورفضه الشديد لـ "صفقة العار (صفقة القرن) التي أطلقتها إدارة ترامب المتوحشة على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته وحقوقه الطبيعية المشروعة، ويرى أنها خطوةٌ خطيرة للغاية سوف تكون لها انعكاسات بالغة السوء على مستقبل المنطقة وشعوبها".
ولفت إلى أن هذه الصفقة "لم تكن لتحصل لولا تواطؤ وخيانة عددٍ من الأنظمة العربية الشريكة سراً وعلانيةً في هذه المؤامرة، وأن شعوب أمتنا المؤمنة بالقضية الفلسطينية لن تغفر أبداً لأولئك الحكّام الذين من أجل عروشهم الواهية فرّطوا بتاريخٍ طويل من الشهداء والمعاناة ومقاومة الاحتلال على حساب الحق والكرامة".
وأكّد الحزب أن "مشروع التوطين المندرج في إطار هذه الصفقة هو من أبرز المخاطر الماثلة للعيان، التي تهدف إلى الإطاحة بحق العودة وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في أرضه وترابه، وتصفية القضية الفلسطينية من ذاكرة أبنائها، والعمل على خلق توتراتٍ اجتماعية وديموغرافية وفتنٍ منتقلةٍ لا تخدم سوى مصالح العدو وأهدافه التوسعية".
وقال الحزب في بيانه: "إن حزب الله إذ يؤكد أن جميع المؤامرات والصفقات والخيانات لا يمكنها أن تشطب حق الفلسطينيين في أرضهم ومقدساتهم وحق العودة إلى قراهم ومدنهم، يشدد على أن امتنا وشعوبها الحيّة قادرة على الإطاحة بهذه الصفقة بوقت قريب وإسقاط مفاعيلها إن شاء الله ". 
 
وقف الله! 
اعتبر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان من جهته، "أن ما يسمى بصفقة العصر، وصمة عار شيطانية لبيع فلسطين بأرخص الاثمان، سترتد على صناعها فعل خسارة وندامة، لان فلسطين وقف الله لا تخضع للبيع والشراء، وهي خارج الحسابات الانتخابية المتهاوية على اعتاب مساجدها وكنائسها التي تصدح بالحق وتلعن المرابين والطغاة والمحتلين".
بدوره قال رئيس الحكومة الاسبق الدكتور سليم الحص في بيان له، إنه " أطل علينا الرئيس الاميركي دونالد ترامب بمشهد هوليودي استفز مشاعر العرب مسلمين ومسيحيين، ويصح فيه القول إنه مشهد مهين للشرعة الدولية، ضاربا عرض الحائط قرارات الامم المتحدة، معلنا عما يسمى بصفقة القرن للسلام بين الفلسطينيين والعدو الاسرائيلي، وكأن السلام بحاجة إلى صفقة بمثابة جريمة نكراء، لأنها أهدرت حق شعب، وطمست أنبل قضية وجدانية، فهي تلغي وطنا عربيا اسمه فلسطين".
وقال: "بإعلانه عن الصفقه الجريمة، بدا الرئيس الاميركي متفاخرا بجريمته، وكأنه ملك على غابة بلا قوانين، يمتلك حق الضم والفرز لتوزيع أرض فلسطين التاريخية، كما يحلو له وبما يخدم المحتل الاسرائيلي. لا غلو بالقول، لقد خذلنا بعض العرب بحضورهم ذاك الاعلان عن الصفقة المقيتة، وكأن فلسطين صارت عبئا عليهم، وإنهاء قضيتها بات يتقدم أولوياتهم، جاعلين من العدو الاسرائيلي المحتل لارض فلسطين حليفا وصديقا"
 
مواجهة المشروع
موقف رافض أيضاً سجله شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن بقوله يوم الاربعاء: "مواجهة مشروع "صفقة القرن" الاميركي - الصهيوني على حساب فلسطين، تكمن في الوحدة الفلسطينية الداخلية الكفيلة وحدها بتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ونضاله التاريخي، دفاعا عن أرضه ومقدساته وتثبيت حقوقه الطبيعية المشروعة وتقرير المصير، وفي مقدمها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".
ودعا في تصريح له  "العالمين العربي والاسلامي الى أوسع تضامن مع القضية الأساس، حفاظا على أرض فلسطين عربية بحدودها الجغرافية المعروفة، وحق العودة، ورفض أي شكل من أشكال التوطين، والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة".
 
مسيرات وإضراب
الفلسطينيون وعبر وجودهم المتوزع في لبنان أعلنوا أمس الأربعاء يوم غضب تخلله إضراب في المدارس والمؤسسات كافة، ردا على الإعلان الأميركي  لصفقة القرن. 
ودعت حركة فتح في لبنان الى الاستنفار العام، مشيرة في بيانها إلى "مسيرات غضب واعتصامات في جميع المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان"، مؤكدة: " لن ترهبنا التهديدات الأميركية والإسرائيلية، فالصمود في وجه آلة العدوان قدر عشناه واعتدناه منذ عقود بعيدة ". 
هذا وانطلقت مسيرات غاضبة شارك فيها فلسطينيون ولبنانيون جابت الشوارع والساحات، رفضا لصفقة القرن، ورفع المشاركون الرايات الفلسطينية وسط هتافات منددة باسرائيل والإدارة الاميركية  في عدة مناطق لبنانية، وكان للمخيمات الفلسطينية حراك لافت ورافض لخطة ترامب.