المتسلّق الكسول

ثقافة 2020/01/31
...

 بن لوري 
ترجمة : عبد الصاحب محمد البطيحي
كانت جماعة من حيوان المتسلّق الكسول تتدلّى من على الأشجار في الغابة، تأكل أوراق الشجر، انبرى واحدٌ منها قائلاً على نحوٍ مفاجئ:
- يا رفاق، أعتقد أنّني ذاهبٌ لأحصل على عمل.
قال واحدٌ من هذه الجماعة:
-  ذاهبٌ لتحصل على ... ماذا؟   
أجابه:
- على عمل، وأنت تعرّف بأنّ العمل يقتضي جهداً. 
ثمّ خاطب الجميع:
- ألم تتعبوا من أكل أوراق الشجر؟
بيدَ أنّهم لاذوا بالصمت. لذا تنهّد بعدئذٍ وقال مودّعاً: 
- أعتقد أنّني سأراكم لاحقاً. 
زحف الى أسفل الشجرة، كعادته سار مبتعدا ببطء شديد في الغابة، أتى الى موقع رأى فيه نملاً يجهد على بناء بيت ليسكن فيه. بادر بالسؤال:- أيّها الرفاق، أتحتاجون الى مساعدة؟ 
بيدَ أن لا أحد من النمل أجابه، فقط اكتفوا بالركض على نحو دوائر. 
أعاد سؤاله بصيغة أخرى:
- أنا أبحث عن عملٍ. 
والنمل يظهر ارتباكاً واستياءً؛ لذا يبادر بالاعتذار. 
واصل زحفه، اقترب من دبٍّ يحاول الوصول الى خلية نحل من أجل الحصول على شيءٍ من العسل. سأله: 
عذراً، أترغب في المساعدة على انجاز ذاك؟
: هدر الدب :
هذا يعود لي. إنّه عسلي. 
حَسَنٌ. 
قال المتسلّق وهو يتراجع الى الخلف ببطء.
بعدئذٍ أتى الى جدول يبني عليه بعض القنادس سدّاً.
توجّه بالسؤال: 
أنتم أيّها الناشطون، أترغبون في المساعدة على انجاز ذاك؟ 
قال الرئيس ذو القبعة المعدنية: 
ما هو “ذاك” ؟ 
أجابه:
أنا أبحث عن عمل.
قال الرئيس: 
آسف، هذا المكان متجر اتحادي.
لكنّه أضاف: 
ربما ستجد عملاً في المدينة. 
قال المتسلّق: 
المدينة! 
لم يسبق له أن بدر بباله ذكر المدينة مطلقا! لذا قال: وأيّ درب يؤدي بي إليها؟ 
أجابه: 
أوه، فقط سر بهذا الاتجاه. 
وعلى هذا النحو سار. 
وما هو أمر حسن أنّ المدينة لم تكن بعيدة، ذلك أنّه بطبيعته يتحرّك ببطء. لكنه كان يشعر بالجوع الشديد عند وصوله الى هناك. 
قال: أحتاج بعض الطعام.  
طاف أرجاء المدينة، زحف في كل الشوارع، علّه يعثر على أوراق شجر يأكلها – في الواقع، لم تكن هناك أشجار.
قال: أنا جائعٌ، سأموت إن بقيت على هذه الحالة. 
سمعته امرأةٌ عابرةٌ، أشارت الى مُجمّعٍ سكني. 
قالت: هناك مطبخ يعدّ الحساء في نهاية ذلك الطريق. 
قال:  حساءٌ؟ 
كان يجهل معنى حساءٍ. 
تبيّن بعدئذٍ أنّه ليس بذلك الطعام الفاخر.
سأل آخرين كانوا يجلسون على المائدة في المسكن       :
 أيأكل الناس هذا النوع من الطعام؟ 
قال أحدهم : الأمر الحسن هنا أنّه يُعرَض بلا مقابلٍ. 
قال: عندما أحصل على عملٍ سأتناول طعاماً أفضل. 
وبذا، نهض في اليوم التالي مبكراً، مفعماً بالحيوية. زحف على امتداد الشارع، يتطلع جلية الأمر. يشاهد، بين آنٍ وآن، لافتة: (مطلوب مساعدة)، فيمسّد شعره ثم يزحف الى الداخل.  
أينما يذهب كان دائماً يقول: أنا هنا أبحث عن عملٍ. 
كان الناس جميعاً ينظرون اليه بذات النظرة. 
يسألونه: العمل؟ ألست متسلّقاً بطيء الحركة؟ 
يقول: أجل، أنا هو ذاك الذي يرغب بالعمل.  
عادةً ينفرد الناس بتوديعه، وبعضهم يبادر بركله. 
يقولون مثلاً: اطبع هذه الرسالة ،أو: املأ هذه العربة المتوقفة بالبنزين.
وهو يعمل ما بوسعه – يبذل كل جهده - لكن لا تغيب حقيقة انه بطيء الحركة، وما يزيد الأمر سوءا هو افتقاده الى  يدين، إذ هو أساساً أصابع اقدام.
يتساءل الناس وهم يحدقون بالرسالة التي طبعها على نحو مرتبك للغاية:
ما هذا؟ 
أو يتساءلون: لماذا أغرقت نفسك بالبنزين هكذا؟، أو يقولون: يُفتَرض أن تكون البيزا دائرية.
كان يقضي نهاره في محاولات بائسة، في آخر النهار يؤوب زاحفاً الى ملجئه. يجلس هناك ينظر مشفقاً الى اناء حسائه.
بعدئذٍ قال: حسنٌ، غداً سأعيد المحاولة. 
في الغد وما بعده، عمل ما وعد نفسه به، بيد انه لم يحصل على عمل على الرغم من انقضاء مديات طويلة، ومهما يكن الامر لم يتخلَّ عن الأمل. 
كان راسخ العزيمة، ثابتاً في اتخاذ قراره على الرغم من انه لم يكن يحصل على طعام إلّا على حسائه. 
بعدئذً تهاوت إرادته في احدى الليالي. أخذ يبكي بمرارة، اشتدّ نشيجه فسقطت الملعقة من يده. 
قال الجالسون على مائدته: ما الأمر؟ نحن نعرفه، هو ذاك الثابت المتين،  قال: كلّ شيء محبط على نحو لا يصدق.  . انا لا اريد غير العمل. 
قالوا: اسمع، العيب ليس فيك، فالأمر لا يعدو كونه انه من الصعب جداً الحصول على  فرصة عمل في هذه المدينة. قال وهو يجفف دمعه: أهكذا؟ حسبت انني الوحيد العاجز عن الحصول على ذلك.  
قال أحد الجالسين:
أوه ، كلا. أنظر اليَّ، ليس لدي فرصة عمل طوال شهورٍ على الرغم من خبرتي في سياقة شاحنة مدى ثمانية عشر عاما – يعود ذلك الى مجرد عدم توفر عمل لسائقي الشاحنات. 
قال المتسلق: حقاً؟ 
فكّر للحظة. ثمّ قال: هل بقدرتك قيادة زامبوني؟
سأله سائق الشاحنة: مثل في حلبة التزلج على الجليد؟ 
أجابه: أجل، هذا العمل متوفر في الوقت الحاضر.
قال سائق الشاحنة وهو يفتح عينيه على وسعهما: 
حقاً ؟ أين تقع الحلبة؟ 
أجابه: في شارع أيلم، خلف دار البلدية. اعتقد انهم متواجدون حتى الساعة الثامنة. 
سأل السائق: الساعة الثامنة؟ 
خطف نظرةً الى ساعته، نهض وركض خارج الغرفة. 
والآخرون اكتفوا بالجلوس لفترة قصيرة. 
قالت امرأة: والآن، ما هو الأمر معي؟ 
قال المتسلق: ما هو الأمر معك؟ ما الذي تقدرين على عمله؟  
قالت: كنت معلمة أمتهن التدريس، غير ان النظام المدرسي تم تقليصه. الآن ليس هناك من وظائف. 
قال: هم .. لديك صوت رائع، ألم يخطر ببالك العمل في احدى محطات الاذاعة؟ 
سرعان ما ابتسمت 
أوه، كلا. 
بعدئذٍ 
حسن، بالطبع أحب ذلك.
قال : إذن، هيا اذهبي الى  (كي بي بي دي) وتحدثي مع جيرمي في المكتب الأمامي. هم يبحثون عن شخص له المام بتهيئة تقارير تعليمية. وأن رغبت بهذه الوظيفة لكنني فشلت في الحصول عليها.
سابقا 
غادر مائدته، أخذ يقترب من كل شخص، يذكر له ما يُلائمه من الوظائف المتاحة، فيبتسم ذلك الشخص مبتهجاً ويسرع الى
الخارج. 
وفي النهاية، حيث خرج الجميع بحثاً عن الوظائف، جلس وحيداً مع حسائه في الغرفة الخالية. وهو يشعر بالهدوء، نظر اليه لفترة قصيرة، بعدئذٍ التقط الملعقة وأتى عليه.    
لكنّهم عادوا تباعاً يضحكون.
كلهم واحد منهم يعلن: حصلت عليها، حصلت على الوظيفة.
بعدئذٍ عانقوه ودسّوا نقوداً في يده. 
قال: ما هذا؟ 
قالوا: انها نقود .. من أجل فضائلك. لا نقدر على التعبير عن الشكر. 
قال وهو ينظر الى تلك النقود: أحقاً ما أراه! لا اعتقد انني عملت كثيراً من أجلكم. 
لكن، في وقت متأخر من تلك الليلة، وبعد انتهاء الرقص، أخفاها في السرير. 
عند الصباح لم يخرج بحثاً عن وظيفةٍ – بدلاً من ذلك، فتح مكتب توظيف .. 
كان  الناس يدخلون الى المكتب، يجلس يحدثهم، يتضح له ما يجيدونه، ثم يرشدهم الى ما يلائم قدرات كل منهم على عمل بعينه.
بعد حصوله على النقود الكافية وجد بيتا - ليس فارهاً، لكنّه مضاءٌ الى حد كبير. وضع في كل ارجائه سنادين تحمل نباتات واشجاراً مختلفة. 
قال مبتسماً: لا بأس.
نصب ستريو، وضع ارجوحة شبكية بين الاشجار. 
وجه دعوة الى اصدقائه  لحضور  حفلة حميمية. 
خاطبهم: شكراً على حضوركم. من فضلكم، هيا بادروا بأكل أوراق
الشجر.