رياضة المشي

الصفحة الاخيرة 2020/01/31
...

حسن العاني 
 
منذ شهور وأنا أُلازم البيت ولا أبرحه، مع انَّ ملازمة البيت أمرٌ لا تحمد عقباه للرجل، لأنه يتحوّل الى (ضرة) مكروهة من زوجته، هذا غير أضراره الصحيَّة، ولذلك نصحني ابن خالتي – وهو طبيب بيطري- أنْ أمارسَ رياضة المشي، وقد أخذت بنصيحته، وبدأت أغادر منزلي عصر كل يوم وأتمشى في حدود منطقتي السكنية، حيث الشارع 
التجاري!
كنت أراقب بحزن سعة الرصيف، بينما أسير مضطراً في وسط الشارع، لأنَّ الأرصفة من الجانبين محتلة من قبل الباعة وسقائفهم وبضائعهم.. وهكذا أصبح الرصيف موطناً ومستقراً لهم، لا ينازعهم عليه أحد!!
قبل أيام وأنا أقطع الشارع ذهاباً وإياباً، حدث أمامي شجار عنيف بين اثنين من الباعة، كان أحدهما يحمل (توثية) أما الآخر فيشهر سكيناً، ولولا وقوف الخيرين بينهما لوقعت جريمة قتل، ولهذا أسرعت الخطى الى مكان (العركة) في محاولة لتهدئة الأمر، وتسوية الخلاف، فأنا أعرف الطرفين، وكلاهما يكنّ لي احتراماً كبيراً لا يقل عن احترام الآخرين لكوني صحفياً... والصحفي في منطقتنا إنسان مهم مثل عضو البرلمان في لندن، والحق فقد هدأ الموقف لحظة وصولي، ولأنني أجهل سبب الخلاف قمت بتوجيه سؤال الى الشخص الأول (خير عبدالله.. شكو؟) فردّ عليّ (تقبل ستاد... ياخذ جاسم مكاني؟!). 
والتفت الى الشخص الثاني وسألته (شنو القضية جاسم... ليش ماخذ مكان عبدالله؟) فأجابني (ستاذ... اني ما ماخذ مكانه... بس هوه صار شهرين ماكو... اسألك بالله ستاد.. قابل الرصيف ورث مال اهله) وسارع عبدالله الى الرد (خلي الله بين عيونك... يصير اني مريض... تجي انت تاخذ مكاني، شنو هيه عفتره.. خو مو عفتره) وبدأ الجو يتلبد بالغيوم السود، وشيئاً فشيئاً تحولت لغة الحوار الى شتائم متبادلة، وكانت مرشحة جداً أنْ تصل الى الأيدي، وكان علي أنْ أحكم بينهما بالعدل، واقترح تقسيم المكان مناصفة فهو يكفيهما وزيادة، إلا أنني وددت أنْ أمازحهما لكي أهدئ من ثورتهما، ولهذا قلت لهما (تريدان الحق؟) .
وفي الحال ردا (طبعاً ستاد)، وشجعني ذلك على مواصلة مزحتي فقلت (المكان ليس لكما) وصدم الرجلان وسألاني السؤال ذاته كأنه الزي الموحد (لعد المن المكان 
ستاد؟!).
أجبتهما وأنا أبتسم، حتى يدركا أنني أمزح (المكان ليس من حقكما وإنما هو من حقنا نحن المارة المساكين لانه...) ولم أكمل عبارتي، فقد تكاتف الخصمان،، ونسيا شجارهما، فرفع الأول (توثيته)، وشهر الثاني سكينه وهجما علي هجمة رجل واحد، وبدا عليهما وكأنهما أباحا هدر دمي، ولولا وجود الخيرين ووقفتهم الكريمة لأصبحت في عداد الموتى، ولهذا هربت بأقصى سرعتي الى البيت، مفضلاً أنْ أكون ضرة مزعجة لزوجتي على أنْ أمارس تلك الرياضة اللعينة، ومن يومها تعلمت درساً بليغاً، إذ لا شيء يوحد الخصوم غير مصلحتهما
المشتركة!!