صالح الشيخ خلف
في لقاءٍ مع أحد قادة الفصائل الفلسطينية عام 2017 سألته عن تصوره لردود الافعال المحتملة على اعتراف الرئيس الاميركي دونالد ترامب بمدينة القدس عاصمة لاسرائيل ، قال إنه يتمنى ألا يحدث ذلك، ليس لأن الخطوة يجب ألا تكون وان تبقى مدينة القدس عربية اسلامية بعيدا عن التهويد والاحتلال، وانما لأنه لايرغب أن تنكشف عوراتنا امام الصديق والعدو- على حد تعبيره – لأن الجميع سيبقى متفرجا من دون أن يحرك ساكنا، بسبب المشكلات والازمات التي تعصف بامتنا العربية والاسلامية . وبعد اسبوع وتحديدا في 6 كانون الاول 2017 أعلن الرئيس الاميركي الاعتراف بمدينة القدس الشريف عاصمة لاسرائيل، وكما توقع صديقنا الفلسطيني لم يعترض احد ، بل حتى ان الرئيس ترامب قال بانه طلب من المسؤول عن المكالمات الهاتفية في البيت الابيض ألا يرد على مكالمة اي زعيم او رئيس او ملك يريد التحدث معه، وبكل صلافة قال" اخبر الملك بأني سوف اعاود الاتصال به بعد بضعة ايام". وزاد الرئيس ترامب في فيديو نشر مؤخرا" قمنا بالامر وحظي بتغطية اعلامية ضخمة . كان حدثا كبيرا ولم يحدث شيء، هل الامور بخير؟ نعم ! هل هناك تظاهرات؟ لا ! مرت ثلاثة ايام واربعة واستغربت ان شيئا لم يحدث!" واستمر الرئيس الاميركي في كلامه يسخر من الزعماء والملوك العرب الذي قرر الاتصال بهم كما وعدهم ليقول لهم بانكم جئتم متأخرين !
تكررت الحالة، لكنها المرة كانت اعنف، ذهب رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو مع بقية الزعماء المحتملين لرئاسة الحكومة الاسرائيلية الى واشنطن ليتم الاعلان عن" صفقة القرن" التي كانت صورة اخرى لمنح من لايملك لمن لا يستحق كما حدث في وعد بلفور عام 1917 حيث تم منح فلسطين للحركة الصهيونية لاقامة كيان يهودي على حساب الارض والمقدسات والسكان .
الغريب ان الحدث مر مرور الكرام على الرغم من انه اسس لمفهوم " التميز العنصري" وتقسيم الارض وتهويد المقدسات وطرد السكان . والاغرب منه سمعنا تبريرات لهذه الخطوة، ودعوات لقبول هذه الصفقة" لأنها تخدم الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة ويجب ان لا تتكرر دعوات الرفض للمشاريع المطروحة لحل القضية الفلسطينية" .
وبعيدا عن امكانية تنفيذ هذه الصفقة من عدمها ، فان حفل الاعلان عنها كان" استعراضا سياسيا" بامتياز للرجلين ترامب ونتن ياهو اللذين وقفا يصفق الواحد للاخر وكأنهما يريدان القول لناخبيهما في اميركا واسرائيل بأنهما الاجدر والاقوى في الانتخابات التي يدخلها الاول في تشرين الثاني المقبل، حيث يواجه محاكمة في مجلس الشيوخ في اطار مساءلة يمكن ان تؤدي الى عزله ، بينما يواجه الثاني تهم فساد سوف تدخله السجن اذا لم يفز في الانتخابات التي تجرى في آذار المقبل .
ليس مهما ما طرح في الصفقة، لأن جميع الدوائر السياسية حتى في داخل الولايات المتحدة رأت عدم امكانية تنفيذها لافتقارها لابسط مقومات البقاء خصوصا وانها تجاوزت الشرعة الدولية وقرارات مجلس الامن الدولي، واستبعدت الجانب الفلسطيني الذي هو شريك في هذه القضية وهو صاحب الارض وهو طرف المعادلة.
وفي هذا السياق من المناسب جدا معرفة من الذي يقف وراء" صفقة القرن" . الرئيس ترامب قام بتعيين صهره جاريد كوري كوشنر" 10 كانون 1981" مستشارا له واوكل اليه مهام متابعة الحرب على داعش وعملية السلام في الشرق الاوسط . يهودي ارثوذكسي متزوج من ايفانكا ترامب . علاقاته وطيدة مع الحكومة الاسرائيلية ومع اللوبي اليهودي في داخل الولايات المتحدة . " ضابط ارتباط" في البيت الابيض مع الحركة الصهيونية اكثر من كونه مستشارا للرئيس . تبنى الورقة التي وضعها اللوبي اليهودي بشأن اسرائيل لتكون" عربونا " لفوز الرئيس ترامب في الانتخابات المقبلة . وبتوصية من اللوبي اليهودي تم توقيت طرح الاعلان عن الصفقة لتصب بمصلحة الجانبين لاغراض انتخابية داخلية اميركية واسرائيلية في آن واحد .
لا اريد التقليل من اهمية " صفقة القرن" التي تريد القضاء على الحق الفلسطيني وترسيخ الاحتلال على الاراضي الفلسطينية، لكنها تكشف عن ضحالة وميوعة الوضع العربي والاسلامي الذي بقي شاهد زور ينظر الى الفعل الاميركي والاسرائيلي بعروسة العرب .