جواد علي كسّار
أواخر ثمانينيات القرن المنصرم تحدّثت الأرقام عن وجود أكثر من ألفي عراقي في بريطانيا، وفي غضون ما بعد السقوط وصل العدد إلى سبعة آلاف طبيب، وهو رقم يكفي لتغطية حاجات البلد إلى الأطباء، وبناء شبكة صحية ممتازة.
لكن ليس هذا محلّ الشاهد، بل ما يُثار من ضجّة عالمية حول فايروس كورونا، فهناك بلا ريب تهويل مريب وتعمّد في الغموض. لنلحظ مثلاً أن مرض الإيدز حصد أكثر من (36) مليون إنساناً، منذ ظهوره منتصف ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن، وأصاب قرابة (140) مليون، ومع ذلك فقد هدأت الضجّة من حوله، ولم يعد يثير كلاماً كثيراً. لماذا نذهب بعيداً والأرقام تُشير مثلاً، على أن من يموت نتيجة الأمراض الناشئة عن إدمان الخمور، هو ضعف عدد المصابين بالإيدز، لكن ليست هناك ضجّة عالمياً، توازي عدد الضحايا، وكذلك الحال بشأن الأمراض المزمنة، والنوبات القلبية التي تتصدّر ما سواها، بعدد الوفيات؟
طبيب من أبناء الجالية العراقية الكريمة في لندن، هو الدكتور خالد الشفي استشاري الأمراض المعدية، كتب لصديق خلاصة مركزة عن كورونا، أهمّ ما فيها أنها بعيدة عن الصخب والضجيج، كما عن التهويل والغموض العامد، وعن تنافس السياسة والصراع الاقتصادي بين الأمم، في هذا الموضوع!
يذكر طبيبنا العراقي بخلاصة مكثفة؛ أن كورونا فايروس موجود في الطبيعة منذ زمن طويل، توطّن في الحيوان وخاصة الخفافيش والقطط والكلاب والجِمال، وكذلك الإنسان. وهو فايروس قريب جداً من الزكام من ناحية التكوين الجيني، يسبّب التهاباً بسيطاً في قنوات الجهاز التنفسي العليا، وتكون الصورة السريرية على شكل رشح والتهاب البلعوم شبه الحاد، لمدّة زمنية قصيرة. لكن حدث في الآونة الأخيرة تطوّراً في جينات هذا الفايروس، خاصة في الأنواع التي تصيب الحيوان، نتج عن ذلك ما يُسمى فايروس كورونا، وانتقل من الحيوان إلى الإنسان.
يحطّ كورونا رحاله في جسم الإنسان الذي ليست لديه مناعة مسبقة، لتنشأ عنه ملازمة الجهاز التنفسي الحاد، تؤدّي في حالاته الخطرة إلى التهاب الرئة، ومن ثمّ الوفاة أحياناً، وإلا فهو يشبه في أكثر حالاته، الزكام أو الأنفلونزا البسيطة، وحالات الوفاة غالباً ما تُصيب ذوي المناعات الضعيفة، والمصابين بالسكري والقلب، وأصحاب الأمراض المزمنة في الجهاز التنفسي، والأطفال الصغار.
يحدّثنا الطبيب العراقي عن تأريخية المرض، ليتضح أن ما نواجهه الآن، هو الموجة الثالثة في غضون العقود الأخيرة.
نترك الآن التوصيات الطبية لنعود إلى واقع الحال، فضحايا المرض لم يتخطّوا (500) حالة وفاة حتى لحظة كتابة هذه السطور، وعدد المصابين لم يتجاوز (30) ألفاً؛ فهل يستحقّ الأمر كلّ هذا الضجيج أمام الملايين التي حصدها ولا يزال، الإيدز والأمراض المزمنة والقلبية وأمراض الإدمان على الخمور والتدخين، والطفولة والإمومة وما شابه؟ لندع نظرية المؤامرة جانباً، ونركز جيداً على أن أضرار الضجّة المثارة عن المرض تتركز في الصين، التي هبط ميزان الأسهم فيها 7 %، وخسرت (470) مليار دولار نقداً وعدّاً، يُضاف إليها نفقات لمكافحة المرض بقيمة (170) مليار دولار، أضف إلى ذلك بقية الأضرار الاقتصادية الناشئة عن غلق المدن والمعامل والمنشآت السياحية والمطارات وتصريف العاملين، والاهتزاز العنيف في المركز المعنوي للصين تجارياً واقتصادياً!
ماذا تريد أميركا ومن ينافس الصين أو تنافسه اقتصادياً، أكثر من هذه الأضرار لفايروس نسجّل منظمة الصحة العالمية، أنه لا يزال أقلّ خطراً من الحصبة ومن الأنفلونزا؟
أخيراً تحية للطبيب العراقي الذي ذكر ما ثمة علاج لهذا المرض إلا الراحة والوقاية، وأن نتجنّب مثلاً التقبيل والمصافحة، وكلّ ما يجري من مراسيم اللقاء الإنساني الودّي الحار؛ فهل نصبر كعراقيين على ذلك؟!