قاتلات السعادة

ثقافة 2020/02/04
...

 ابتهال بليبل
 
بنت سارة أحمد وهي كاتبة نسوية أسترالية من أصول باكستانية، مؤلفها (قاتلات البهجة) على قصة تبدأ بمائدة طعام تتجمع حولها الأسرة، دائما يجلسون في المكان نفسه، الأب على أحد أطراف المائدة، وهي على الطرف الآخر، والبقية على الجوانب، إنها ذكريات الطفولة ولكنّها أيضا ذكريات لحياة يومية مكثفة (الأب يلقي الأسئلة، هي وأخوتها يجيبون عنها بينما الأم صامتة معظم الوقت).
ثم فجأة وهم يتبادلون أحاديثهم، تحدث إشكالية، فتشعرين بالتوتر- تتحدث المؤلفة- ويصبح الجو متوتراً، ولا تستطيعين التفرقة بين ما تشعرين به وبين ما هو ذلك الشيء، وربما تجيبين بحذر وتقولين سبب رؤيتك للإشكالية فيما قالوه، قد تتحدثين بهدوء، إلّا أنّك تشعرين بالغضب وتدركين وأنت محبطة، لأنّك جُرحت من شخص يستهزئ بك، وحين تتحدثين بصوت عالٍ لتعبّري عن رأيك، فإنّك تعكرين صفو الموقف. حين تصفين ما قاله الآخرون بأنّه مشكلة، يعني أنّك خلقت مشكلة، وتصبحين أنت المشكلة التي خلقتيها، وتكونين محط الاستنكار المشترك، وتُرشقين بنظرات يمكنها أن تعزلك. 
عادة، تجمع الأسرة حول المائدة يفترض أنّها صورة لمناسبة سعيدة، هناك الكثير من الأشياء التي لا يتوجب عليك فعلها أو قولها أو حتى تكوينها، من أجل الحفاظ على تلك الصورة، وإن كنت على ماهية لا تعكس الأسرة السعيدة، فإنّ العالم يصبح مشوّهاً، وأنت التشويه الذي تسبب به، وهكذا خربت عشاء آخر، إن عزلك سيجعلك ترين ما لا تعكسه تلك الصورة وما لن تعكسه.
ومن خلال صفحات الكتاب تفترض المؤلفة (تصبحين نسوية قد يعني أن تصبحين معزولة عن السعادة، هو مثل -أن تكوني قادرة على ترك المكان الذي منحتيه- وترى أنّه حين نشعر بالسعادة ونحن بالقرب من الأشياء الصحيحة، فإنّنا نقف في الصف ونواجه الطريق الصحيح وحين لا تشعرين بالسعادة من الأشياء الصحيحة تصبحين معزولة خارج المجتمع التقليدي في وسط مؤثر، وأن الفجوة بين القدر المؤثر لشيء ما وكيف نختبر ذلك الشيء قد يتضمن مجموعة من المشاعر التي توجهها طرق التعبير المطروحة لملئ هذه الفجوة). 
كنت وما أزال أعتقد بأنّ مقومات الشعور بالسعادة تأتي من قدرة التأثير، ولكننا دائما ما نعتمد على أفكار كنّا قد توقعنا حدوثها سلفاً، رغبة في معالجة العلاقة بين المشاعر الصحيحة والمتوقعة التي يحلو ليّ تسميتها الآن بالمتخيلة، فنرى أنّ الشعور الذي ينتج كلا من السعادة والتعاسة، ليس كما كنّا نعتقد. ومن ثمّ، تلعب ذاكرتنا أو توجهاتنا النابعة من ثقافتنا دوراً في إعادة إنتاج التأثر، مما يقود إلى سياسة مختلفة بين ما حدث وما يجب أن يحدث.
التأثر هذا يجب أن يأخذنا في اتجاه الميتافيزيقيا وفلسفة سوء الفهم، والتي نستخدم عبرها تفكيرنا لأحداث وأشياء تبدو ظاهرياً معروفة أو متوقعة، وكأنّنا هنا نحاول أن نتحاشى مشاعرنا الآنيّة المتأثرة بشكل كلي تقريباً – لتحريف الواقع- كحيز للمقاومة
 النسويّة.
في (الشعور) نذهب لتبجيل معتقداتنا وافكارنا المسبقة. ومع (الشعور) توضع ذواتنا على المحك وننشطر ونتشابك مع الرفض والقبول، وهما يؤكدان الشكل الأخير الذي سنبدو عليه. 
وفي هذا السياق يظل سوء الفهم بخفية، وقد نقمعه بقصدية، أما الشعور فيجبرنا على البقاء مع الحدث. ومع الحدث الذي سيكون متوقعاً مثله مثل وجهات النظر يتضاعف اهتمامنا "بالجنوسة" التي ارتبطت بقدرتنا على فعل قد لا يضع المرأة بمكان أنطولوجي. فتكون ملزمة بالتماهي مع الحدث الذي يظهرها كمتلقٍّ سلبي، وهذا بالطبع يحتاج منها أن تبدل ادراكها لغرض المشاركة الايجابية، وهو لن يحدث مالم تمنع نفسها من الدخول لهذا العالم عبر التغاضي أو الاهمال وغض البصر. وهنا تحضرني مقولة "أودري لورد" وهي كاتبة وشاعرة أميركية، (حرية تحقيق السعادة تتعلق بحرية غض البصر عمّا يحول بيننا وبينها). 
وبالرجوع إلى مؤلف "قاتلات البهجة" فإنّه يمكن ترجمة تاريخ النقد النسوي لمفهوم السعادة في المانيفستو التالي (لا تغض البصر عن المشكلة، لا تتخطى المشكلة). عدم التخطي هو شكل من اشكال الخيانة، القصدية هي نوع من أنواع الخيانة. فلنفكرْ بذلك في ضوء دعوة الشاعرة الأميركية "ادريان ريتش" لنا بخيانة الحضارة لن نتخطى المشكلة إذا لم تختف المشكلة.. نحن لسنا أوفياء لوضع خاطئ، يمكن إعادة النظر في القصدية على أنّها أسلوب سياسي، فهي رفض التغاضي عمّا تمّ التغاضي عنه بالفعل. من يلفتون الانتباه إلى التمييز ضد المرأة هم اشخاص مفعمون بالعناد، فهم يرفضون السماح لذلك الواقع إن تمّ التغاضي عنه.
من هنا نكتشف أنّ الذين يرفضون التغاضي أو غض البصر يعترضون طريق السعادة.. أستطيع تقريباً الجزم بأنّ الأمر برمته يتعلق بالثقافة والخزين المعرفي، والرغبة في البقاء الذي يختفي في أعماق كلّ امرأة. وهذه المفاهيم تنقلنا للشعور بالسعادة أو التعاسة. هي أيضاً من يحرّض السجالات لافتعال مشكلة لا تتعلق برؤيتك فيما قيل والشعور بالغضب والتوتر والاستنكار الذي يدفعهم لعزلك، بل يتمحور حول إدراكهم لوجودك، وكيف تشكّلت ثقافتهم تجاه خلقك للمشكلة أو أنّك أنت المشكلة ذاتها.