من الافراط الى التفريط ..!!

ثقافة 2020/02/04
...

حسين الصدر 
 
- 1 -
مرّت بنا فترة من الأيام ونحن نشهد حراكا من ذوي المال والثراء نحو اقتناء الكتب وشرائها، رغم أنّهم ليسوا من اصحاب البحوث والدراسات المعمّقة، لا بل ليسوا من اصحاب القراءات 
الكثيرة ..!!
 
- 2 -
كانوا يتنافسون على حيازة الكتب، وينتقون الموسوعات المجلدة تجليداً جميلاً لتكون جزءا من الزينة المطلوبة في صالوناتهم ..!!
 
- 3 -
إنّهم كانوا يستهدفون الايحاء لزوّارِهم بأنّهم مِنْ عشّاق العلم والادب والمعرفة والثقافة ...!!
-4-
ولسنا على الاطلاق مع هذه العملية المخادِعة التي تُظهر غير التي تبطن...!!
 
- 4 -
إنّ الاقبال على المطالعة، فضلاً عن الاهتمامات الحقيقية بقضايا الفكر والثقافة، مؤشر ايجابي مهم يدل على الصحوة الفكرية
، وتصاعد منسوب الرغبة في النمو العلمي 
والثقافي .
 
- 6 -
إنّ الافراط في شراء الكتب وتجميعها لا يعني الوصول الى واحات المعرفة والثقافة .
 
- 7 -
إن أعداداً غفيرة من العلماء والادباء الكبار كانوا يعانون من شح ما لديهم من الكتب، ومنهم على سبيل المثال الشاعر الكبير المرحوم السيد جعفر الحلي صاحب ديوان (سحر بابل وسجع البلابل) الذي كان 
يقول :
ملكتْ فكرتي بكار المعاني
والى الآن ما ملكتُ كتابا
كان لا يقوى على شراء الكتب لقلة ذات اليد وصعوبة الأوضاع المالية التي 
يعيشها .
 
- 8 -
وقد انتقلنا اليوم من حالة (الافراط) الى حالة (التفريط)، إذ أصبح الكتاب مهجوراً، وقد زهدت فيه شرائح واسعة من المجتمع . 
والى كلّ واحدٍ من هؤلاء 
نقول :
من المفيد للغاية أنْ تجعل الكتاب صديقاً لك، يبدّد عنك الوحشة ويتحفك باللذيذ من الاخبار والاسرار.. 
فضلاً عن المعطيات العلمية والفكرية والمعرفية ..
إنّ إقصاء الكتاب من حياتك يعني الابتعاد العملي عن العروج الى الافاق العليا للمعرفة والثقافة، وهذا ما لا يرضاه الحصيف لنفسه على 
الاطلاق
 
- 9 -
في السبعينات من القرن الماضي كان الكتاب عند العراقيين سلعةً رائجة يقبلون عليه، وبكل شغف وشوق، ابتداءً بطلاب المدارس وانتهاءً بالمحققين من العلماء والمفكرين، واليوم أصبحت دور النشر عندنا تشكو من الكساد الشديد ..!!
أما المؤلِفُون فهم يقدّمون ما يطبعون من نتاجهم هدايا للاصدقاء ..!!
 
-10-
وزاد الطين بلةً أنّه ليست هناك مؤسسة معينة تتولى مسؤولية ايصال الكتب الى جميع المحافظات العراقية لعرضها.
ومن هنا فقد يعرض الكتاب في بغداد ولكنه يبقى محصوراً فيها ..!!
 
-11-
وقد أخبرني صاحب دار نشر كبرى للكتب في لبنان عن حيرته بما في مخازنه من كتب تكدّست وهو يخشى عليها من عوارض 
الدهر ..!!
 
-12-
ويبدو أنّ حالة الركود لا تختص ببلد معين من البلاد العربية فكلها مصابة بهذا 
الداء ...!!
 
-13-
إنّنا نكتفي في ختام هذه المقالة بالقول :
إنّك حين تهجر الكتب والمطالعة انما تسيء الى نفسك، إذ توصد عليها باب الإفادة من عقول وتجارب الاخرين، فضلاً عن التحجيم المتعمد والاعاقة الحقيقية عن الثراء لرصيدك المعرفي، ومخزونك العلمي والادبي والثقافي، وهذه خسارة فادحة وصفقة ليست 
برابحة .