الجلاد والضحية

ثقافة 2020/02/08
...

  حميد المختار 
ضجّت الاداب والفنون على اختلاف اتجاهاتها وقنواتها بموضوعة الجلاد والضحية، بحيث انها اصبحت شائعة كثيمة اساسية ترتكز عليها الاحداث سواء في السرد ام في السينما، أتذكّر فيلماً ايطالياً يتحدث عن علاقة غامضة وملتبسة بين  سجين وجلّاد في معتقل ما في ايطاليا، كانت مسيرة التعذيب حافلة بالاستمتاع الذي يكسبه الجلّاد من خلال ساديته وصولاً الى الاستمتاع المتبادل الذي يصل الى السجين ذاته، ثم ينتهي كل شيء ويختفي المعتقل ويخرج السجناء ويهرب الجلّادون وتمر السنين واذا بالضحية الذي اصبح مسؤولاً في الحكومة يلمح جلّاده الذي يعمل نادلاً في دولة اخرى وحين يتأكد منه، يطلبه وهو في غرفته في الفندق ذاته، فيصعد اليه ليمارسا العنف القديم ليعود الى وضعه كضحية مقهورة تتنازعها مشاعر وسلوكيات متناقضة تلتذ بنفيها من كينونتها وتعيش الغاءها وفناءها في حالة مازوكية صارخة، بينما يستعيد الجلّاد صيرورته وجبروته حين يعود الى سيادته القديمة مرتدياً طيلسان القسوة والسلطة والغضب، يذكر الكاتب حسين نشوان تفسيراً لابن خلدون في مقدمته عن هذا التماثل في اعجاب الضحية بجلّادها وتماهي سلوكه مع افعال (القوي وسلطته) كنوع من الافتتان به وتبني ثقافته التي تشتمل على قيم القهر، وربما تصبح تكاملية لان كلا منها يشعر بحاجته الى الاخر كما يقول هيغل، فالسيد يتواطأ مع العبد والأخير يكون صورة ظلية لسلوك المسيطر، وفي واقعنا المعاش ثمة الكثير من هذه الامثلة، فنحن جيل المخضرمين الذين عشنا الحقبة السوداء للنظام السابق ونعيش اليوم العهد الديمقراطي الملتبس، نشاهد بين حين وآخر ماتفعله ضحايا الامس سواء اكانوا هم الضحايا ام آباءهم في المعتقلات او على اعواد المشانق، لكنهم في النتيجة عاشوا احساس الضحية وطعم الاذلال والحزن والالم، لكنه أي ضحية الامس ما ان يرتقي ويصبح مسؤولاً يشار اليه بالبنان حتى يحن الى وضع الضحية السابق وحين لا تسمح له ظروفه الجديدة بالعودة الى مازوكية الامس يلبس لبوس الجلّاد ويختار له ضحايا مهيئين لاستقبال غضبه واذلاله وسيادته وصولاً الى اللذة المشتركة بين الاثنين، واقع الحال هذا يؤشر الى حوادث ظلت راسخة في الذهن كأمثلة كنا نشاهدها ونتابع تطوراتها وكيف ان ضحية الامس الذي ارتقى الى مسؤولية مهمة في احد مرافق الدولة، نراه يحن لايام المحنة لكنه بدلاً عن ذلك يمارس دور الجلاد ذلك الجلاد الذي ظل راسخاً في ذهنه مهيمناً عليه بحيث انه صار مثالاً تحاول الضحية ان ترتقي اليه لتصبح في مكانته كجلاد، ان تبادل الادوار بين الضحية والجلاد ستظل باقية مابقي الليل والنهار والخير والشر والنور والظلام فهي واحدة من علامات الرغبة في صنع انموذج لحيوات ستظل معاشة لدهور طويلة وان بدت استثنائية وشاذة ....