عبد الجبار العتابي
لم يكن الموسيقار سالم حسين (1923 – 2015) ليكتب ويلحن اغنية "الناصرية"، الا حنيناً وحباً وشوقاً الى مدينته الام التي تركها منذ سنوات طوال مرغماً، طبقاً للظروف الحياتية المتناقضة التي عاشها هناك، وراح يجول في عدد من البلدان عازفاً على آلة القانون وملحناً.
واستطاع بعد أن استقر في العاصمة المصرية (القاهرة) في العام 1959 التي زارها تلبية لدعوة من المطرب الكبير فريد الاطرش (1910 - 1974)، أن يقيم العديد من علاقات الصداقة والاحترام مع الكثير من الفنانين المصريين والعرب هناك وراح يشاركهم جلساتهم ومجالسهم، لاسيما مجلس ام كلثوم ، ويشترك معهم في حواراتهم، وكان ثمرة البعاد عن العراق ومدينته ذلك الشوق الذي كتبه على شكل كلمات بسيطة عن (الناصرية)، كتبها ثم قام بتلحينها لتعبر عن خلجاته ويؤكد فيها موهبته التلحينية، ويبدو أنه باح بالاغنية لاصدقائه في جلسة ما، وسرعان ما كانت كلمة (الناصرية) هي الاكثر اثارة في الموضوع، فتلقفتها الاسماع لوحدها وبثتها الالسن على انها تتغنى بالرئيس المصري جمال عبد الناصر (1918- 1970) حيث ان لكلمة الناصرية وقعها المميز في الاسماع حينذاك، وما أن تناهت هذه الاغنية الى سمع الفنان اسماعيل شبانة (1919 - 1985 ) وهو الشقيق الاكبر للمطرب عبد الحليم حافظ (1929 – 1977) ، وكان حينها عميد معهد الموسيقى العربية ومعتزلاً للغناء، حتى بادر الى طلب الاغنية من سالم حسين من اجل تسجيلها لاذاعة صوت العرب، وما كان على سالم حسين الا أن يلبي طلب اسماعيل الذي سارع الى تسجيل الاغنية ومن ثم بثت عبر الاذاعة، فكانت اغنية الموسم.
اخبرني الراحل سالم حسين ان اسماعيل شبانة سعى الى الاغنية، لاعتقاده ان لها علاقة بالرئيس جمال عبد الناصر، وفي الحقيقة هي لا علاقة لها بعبد الناصر وانما هي عن مدينة الناصرية. ومن طريف ما ذكره ان المطرب عبد الحليم حافظ طلب منه أن يسجل الاغنية بصوته لشركة اسطوانات (كايروفون) لكن سالم قال له، انها لاخيك .. وعليك أن تأخذ موافقته لتغنيها.
واضاف سالم عن عبد الحليم، لم اتابع وقتها لماذا لم يغنها .
ويبدو أن الموسيقار سالم حسين كان في حالتي استغراب وعدم استغراب، الاستغراب كون كل ما في كلمات الاغنية يتحدث عن مدينة الناصرية وفيها العديد من الكلمات التي لا يفهمها المواطن المصري العادي، وعدم الاستغراب يتمثل في ان البعض ربما اعتقد ان للرئيس عبد الناصر علاقة بتسمية المدينة مثلاً او أن الاغنية فعلاً تتغنى به، وهكذا دوت الاغنية هناك ونالت حظاً مميزاً من
الانتشار .