الطير والضفدع

ثقافة 2020/02/09
...

كتابة / بن لوري
ترجمة/ عبد الصاحب محمد البطيحي
ذات يوم كان هناك ضفدع يقفز – كان يافعاً، لم يرَ الشيء الكثير في حياته – يجهل، في الواقع، اتجاه سيره، لذا سقط، في احدى الحفر. كانت الحفرة غاية في العمق، خاصة لمثل هذا الضفدع الصغير. حاول القفز الى الخارج لكن كان عليه التخلي عن الفكرة، ذلك لأنه يعرف كم هي عميقة تلك الحفرة، وكم هو عاجز عن القفز وهو في تلك الحالة. تفحص المكان عله يجد مخرجاً لكن جهوده باءت بالفشل إذ ليس هناك أي منفذ.  صرخ بصوت عالٍ، مستجيراً، طالباً المساعدة، لكن ليس هناك سوى الريح تهبُّ وتعبرُ
صرخ مرة أخرى متوسلاً، لكن لم يسعفه أحد. 
أخذ بالبكاء، حينذاك رأى ظلاً يسقط عبر الحفرة.
ما أن رآه حتى انتابه التوجّس. 
توقف عن البكاء، مسح دموعه، ونظر الى الأعلى.
علل الأمر بأنّه ظل طائر. 
طير بمنقار طويل وجارح. 
تأوّه عندما رأى المنقار يطعن في داخل الحفرة 
ينقر، يعظ، يخلع، يحاول الحصول على الضفدع. 
صرخ: توقف! اتركني وحدي. 
بيد أنّ الطير لم يتوقف عن المحاولة، ظل منقاره يهبط. أخذ الضفدع يقفز هنا وهناك محاولاً تجنب المنقار قائلاً: ما زلت صغيراً لا استحق الموت المبكر.
كان الطير جائعاً جداً، يرغب في أكله، لذا لم يأبه له، تجاهله، هو مثابرٌ في عمله، يواصل الدقّ والحفر.  
بعد برهة وجيزة، أدرك الضفدع ان الحفرة عميقة بقدرٍ لا يسمح لمنقار الطير أن يناله مهما بذل من جهد خاصة اذا انحاز الى الركن واستلقى على قاع الحفرة ... وهذا هو ما فعله. 
اخيرا أدرك الطير أن عمله ذاك ليس بذي نفعٍ. 
خاطب الضفدع: قف لأجل أن آكلك.
رفض الضفدع طلبه وقال انه سوف لا يفعل ذلك. 
قال الطائر:  آه، هيا، لِمَ لا. هنا ستموت في حالتك الراهنة، فضلا عن انني جائع!
قال الضفدع: آمل أن تتضور جوعاً ثم تموت. 
استثار غضب الطائر بقوله هذا مما دعاه أن ينقر جدار الحفرة مرة ومرة اخرى حتى وصل رأس الضفدع. 
قال الضفدع: حسنٌ ! أنا آسفْ ! توقف! 
 قال الطير: سأسحق عظامك!  
قال الضفدع: ها انني! كلّي عظام! لا انفعك – فأنا لما أزل غير مكتمل النمو! اذهب واعثر على ضفدع مكتمل النمو! أعدك بأن مثل هذا الضفدع ذو طعم لذيذ! 
توقف الطير عن النقر وحدّق في الحفرة. 
قال: تحرك نحو الضوء.
تمعّن الضفدع في الأمر، ثم خطى ببطء الى الأمام – بقدر ليس بمقدور منقار الطير الوصول اليه. 
نظر الطير اليه لبرهةٍ. 
قال: حقاً انك هزيل للغاية. 
قال الضفدع: آه ، أجل. 
تنفّس الصعداء ثمّ قال: 
أنا لست بشيء يُذكَر. 
***
تمعّن الطير في الأمر، اشمأزَّ، 
ثم قال: حسنٌ . لننسى كل شيء. 
استدار ليمشي مبتعداً عن الحفرة. 
نادى الضفدع: تمهل، لا تغادر المكان.
 عاد الطير وحدّق في الحفرة. 
قال: حسنٌ، ما عندك الآن؟
قال الضفدع: أتتركني في الحفرة وحيداً؟ 
قال الطير: آه ، لم لا؟ 
قال الضفدع: ليس من العدالة أن أموت وأنت تغادر!
قال الطير: وما الضير في ذلك بالقدر الذي يخصّني؟ 
لم يكن الأمر يهمّك وأنا أتضور جوعاً حتى الموت. 
قال الضفدع: الأمر مختلف!
قال الطير: أحقاً هو مختلف؟ لا ارى وجهاً للاختلاف. 
والآن، اذا صفحت عنّي فهذا يعني أنك تهبني حياة جديدة.
قال الضفدع: تمهل! 
قال الطير: ماذا عندك؟ 
قال الضفدع: ربما نعقد اتفاقاً.  
قال الطير تقول إتفاقاً؟  ما نوعه؟
قال الضفدع: ما رأيك في اقتراح أن تخرجني من هذه الحفرة وتدعني أعيش لحين أن أغدو كبيراً، 
  آنذاك ستأكلني سميناً؟  
قال الطير: بتلك الطريقة استطيع العيش قليلا وأرى جوانب الحياة. .
الحياة لمجرد البحث عن الطعام، وليس لشيء آخر.
سأخبرك عن ذلك الآن. 
قال الضفدع: ربما الأمر كذلك. في الحقيقة، لا أعرف. 
لكن هل توصلنا الى اتفاق؟ 
قال الطير: كم يلزمك من الوقت لتغدو كبيراً؟ 
قال الضفدع: يلزمني عام. 
ناقش الطير الأمر مع نفسه 
- عام واحد؟ 
- فقط عام واحد. بعدها ستحصل على ضفدع كبير وسمين، انا من ابوين كبيرين في الحجم. 
قال الطير: حسنٌ. 
مد منقاره، أخرج الضفدع من الحفرة، 
ثم أودعه على الأرض برفق.
شكره الضفدع، 
قال الطير وهو يذكره بوعده: عام هو عام. 
أجاب الضفدع: أعرف ذلك. سأراك عند الموعد. 
استدار وأخذ يقفز. 
قال الطير: أنت يا هذا، الى أين أنت ذاهب؟
تساءل الضفدع: ما الذي تعنيه بسؤالك هذا؟ 
أجاب الطير: أنا لست بذلك الغبي. لا ادعك تمضي كيفما تشاء،
ستظل غير بعيد عن ناظري. 
 حسنٌ، سأقبل إن كانت تلك رغبتك، قال الضفدع. 
قال الطير: أجل، هذا هو ما اريده.
تبادلا النظرات لفترة وجيزة.
ثم سأل الضفدع الطيرَ: ما اسمك؟
تساءل الطائر: ما الذي يعنيك اسمي؟
قال الضفدع: عندما ننطلق معاً، عليَّ أن أعرف – أعني تحذيرك من أي انهيار ثلجي.
قال الطير: لا يبدو هذا محتملاً. اسمي  اليساندر. 
قال الضفدع: اليساندر؟. 
قال الطير: اغلق فمك. والآن، ما اسمك؟ 
قال الضفدع: هنري. 
قال الطير: حسن، هنري. الى أين تريد الذهاب بنا اولاً؟
قال الضفدع: لا أعلم. أتعرف مكاناً مفضلاً؟ 
قال الطير: حسنٌ، هناك
البحيرة. 
وبذا اتجه كلاهما الى البحيرة. ولبرهة وقفا عند الشاطئ، 
التقط الطير سمكةً. 
قال الضفدع: أنا أيضاً أحب السمك.
غاص في البحيرة، التقط واحدةً، عاد بعدها الى الضفةِ.
تجولا في المنطقة،
سأل الطير: من أين أتيتَ؟
أجاب الضفدع: من تكساس. وأنتَ؟
 قال الطير: يدعونها منَسوتا.
قال الضفدع: لم أرها من قبل، هل هي جميلة؟
قال الطير: لا أعرف. 
تبادلا الحديث عن أمور شتى،
 استقرا في مكان واحد عندما حل الظلام، أمضيا الليل داخل شجرة قديمة. 
استيقظا عند الصباح وغادرا المكان. 
انتقلا معا الى امكنة عديدة، في الربيع انتقلا صوب الشمال،
 في الصيف والخريف سكنا الجبال، وفي الشتاء عادا الى الجنوب مرة اخرى.    
رأى الضفدع أشياءً كثيرة، واغترف معرفة بكل الأمور، 
غدا بارعاً في الغناء. 
قال الطير: غنِّ لنا تلك الأغنية عن الطير مرة اخرى، أنت تعرف كم  أحبها.
وفي الوقت نفسه يتقدم الضفدع في العمر 
ويغدو كل يوم أكبر حجما على نحو ظاهر. 
لكنهما لم يتحدثا عن الاتفاق على الرغم من علمهما بانتهاء مدته. 
أخيراً، في يوم من الأيام، وفي وقت مبكر من فصل الربيع توقف الضفدع عن القفز وقال للطير: 
مرحباً اليساندر، هناك ما ينبغي التحدث عنه. 
قال الطير: أجل؟ وما عسى أن يكون ذلك الأمر؟
قال الضفدع: حسنٌ، انقضى عام. أنت احتفظت بوعدك، الآن حلَّ دوري. أشكرك على كونك ذلك الصديق المميز. 
قال الطير وهو ينظر الى الضفدع بارتياب: صديق؟ 
ستكون لي  طعاماً شهياً. كنت أنتظر مثل هذه اللحظة زمناً
طويلاً. 
اغلق الضفدع عينيه، فتح الطير منقاره،
مسك به، التهمه، ثمّ ..  قذفه! 
ضحكا ثم سارا يأكلان النمل من جذع منخور.