نافذة لمناخ سينمائي بلون أحمر

الصفحة الاخيرة 2020/02/11
...

حسين السلمان
واحدة من المهمات الأساسية في ممارسة منهجية سينمائية واضحة هي استخدام لغة اتصالية ذات خصائص يحددها السرد السينمائي، وهذه لابد من أن تكون مدخلا لتأسيس نهج لأنساق دلالية تمنح الفيلم قدرة واسعة في مناقشة أهم وأكبر الأسئلة التي تشغل فكر المتلقي .
النص
نعثر في حيثيات فيلم (نافذة حمراء) سيناريو ولاء المانع ، تصوير مهند السوداني وإخراج حسين العقيلي إلى ما يوصلنا إلى بعض من تلك المفاهيم الدلالية التي تعمل عليها كل الاشتغالات السينمائية ، خاصة في ما يتعلق بأهمية النص (السيناريو ) الذي يعتمد على إثارة عدد كبير من الأسئلة ، التي يكون لها الدور المتميز في لغة الاتصال، والتي منها يتشكل الخطاب والرسالة في آن واحد، وهذا ما نجده في الكثير من الكتابات النقدية العالمية التي تؤكد  تأصيل وفهم العلاقة القائمة ما بين الكلمة والصورة.
فالنص هنا يعيش ذات الحالة القلقة، المتأزمة، المشحونة بالخوف والموت، والمتذبذبة في حركتها الخاصة والعامة، فهي ذاتها التي يعيشها الحدث، لكن من دون أن تحدث انعطافة في منطق المقاربة في السرد، فالعملية البنائية هنا من الضروري أن تذهب إلى التحليل وإلى تشكيلية المعنى والدلالات، هنا علينا أن ندرك أهمية ( محاولة تأصيل مجال ومفهوم النص الوسيط ( السيناريو) الفاعل في إنشاء وتوليد الأنساق الدلالية واسلبة السرد الروائي بصبغة جديدة ) وهي تعد مرحلة انتقالية في الكتابة السينمائية، أن هذا يعكس لنا تلك العلاقة البارزة في التشابه والاختلاف في المعنى، التي من خلالها يتوجب على المتلقي إدراك منظومة التشفير، لكن في المقابل يتوجب أيضا على السينمائي (الكاتب، المخرج ) فتح الطرق للفهم والاستيعاب، وبالتالي الوصول إلى (ثورة) التأويل الصوري بما تحمل من مفاهيم وتطبيقات لمحتوى الفيلم الذي يمنحنا القدرة على استيعاب ما يقدمه في ثناياه.
مفهوم المشهد 
ومن جانب آخر يتوجب على المشهد أن يقوم بعرض المحتويات الداخلة في تشكيلته، بمعنى ما يخص
(الشخصية، الحدث ) بتقديم توضيح أولي لكل منهما مع ضرورة وجود ما هو مثير يدعو المتلقي إلى التعلق به ومتابعته، وهذا يجعل للمشهد استمرارية وديمومة بعلاقته مع المشاهد اللاحقة، فالمشهد هنا  يعد جزءا" صغيرا من القواعد التي يتحكم بها الكاتب في مستهل السيناريو، والتي على ضوء مسارها تتأكد بنائية وخلق حدث درامي  يعمل على تطوير القصة وتقديم الشخصيات وتداخلها مع الزمان والمكان وبناء الحبكة، بهذه التركيبة المتداخلة يصبح المشهد وحدة بناء متتالية مع المشاهد الأخرى من أجل خلق الوظيفة الأساس للسيناريو بشكل عام .
 
الوحدة البنائية
لقد تم بناء فيلم (نافذة حمراء) على وحدة بنائية تكاد تكون ثابتة في المخطط الإخراجي للفيلم . وهنا نقصد اللقطة التي هي الوحدة البنائية الصغرى في الفيلم السينمائي، فضمن الرؤية الإخراجية نجد أن الفيلم اعتمد اللقطة المتوسطة في مخاطبة المتلقي من جهة، وفي تقديم خطابه من جهة أخرى، إضافة إلى بنائه المونتاجي، وطبقا لعدد اللقطات تأتي في المرتبة الثانية اللقطة العامة واللقطة القريبة، وهما متقاربتان في العدد وفي أهمية الاستخدام، إضافة إلى استخدام حركة الهاند في غالبية اللقطات المحمولة ذات الحركة وبكل أنواعها.
يتمتع الفيلم بوحدة موضوعية تنسج خيوطها لهدف واضح منشود ، وفي أحيان يخلق حالة (طارئة) تأخذ بمسار الحدث إلى حالة جديدة تمده بطاقة فعالة ( المخاطبات بين الإعلامية والداعشي ) على الرغم بما حملت من غموض، وربما تحدث (إرباكا ) لدى المتلقي في فهم وتقدير(العلاقة) بينهما، وكذلك اللقطة (المفاجئة ) التي يستطيع فيها المقاتل العراقي في القضاء على الداعشي، حيث تأتي النهاية بتقرير تقدمه الإعلامية بالقضاء على الهدف .. 
استطاع الفيلم أن يقدم حدثه وشخوصه ضمن تشكيلة ممتعة في مناخ سينمائي أعد بطريقة توافقية جعلت من الفيلم أكثر قربا من المتلقي، وبعيدا عن كل تلك الممارسات العاطفية التي كثيرا ما تصاحب مثل هكذا أفلام تنتمي إلى الطبيعية التعبوية ، التي تسحب منها المتعة والذائقة الجمالية، وارى أن استخدام السرد المغلق ( سيناريو و إخراج ) يتوافق كليا مع الحدث وكذلك مع أسلوب صناعة المناخ وخلق لغة اتصالية تعتمد أسلوبا سرديا صوريا يمكنه أن يكون فاعلا في خلق فكر إنساني يتطلع لحرية شاملة . من المفيد لنا جميعا أن أذكر قول (بيلا بيلاش): (المخرج يجب عليه أن يستخدم كل وسائل التعبير المتاحة في فن السينما  ليتجاوز ضبابية الواقع المشوشة وليستطيع إظهار
الحقيقة..).