قراءة في بيت للجواهري

ثقافة 2020/02/11
...

د. حسين القاصد
تعد عينية الجواهري (آمنت بالحسين) من عيون الشعر العراقي والعربي، وهي من عيون شعر الجواهري الخالد؛ فهو حين يحاكي الرموز يثور بكل ما أوتي من شعر، وخير دليل على ذلك انتفاضته الشعرية الصادحة في ذكرى أبي العلاء المعري، وهي الأخرى من جواهرياته الخالدة .
أمّا البيت الذي أنا بصدده اليوم فهو  
ويا واصلا من نشيد الخلود 
ختامَ القصيدة  بالمطلع
وعجز البيت ذهب مثلا، وحكماً جاهزاً على كل قصيدة تنماز بحسن المطلع، إذ سرعان ما يقول المتلقي: ما أروعه من مطلع، وإن ختام القصيدة بالمطلع، ناسفا كل ما تبقى من القصيدة، على نية مدح المطلع لتضيع القصيدة بأكملها .
إن الاعتماد على معطيات النحو لرسم صورة شعرية رائعة ليس من ابتكارات الجواهري الخالد، لكنه، وهو الذي شرب التراث حتى ارتوى، عرف كيف يوظف النحو لرسم صورة شعرية رائعة. وأقول ليس من ابتكاراته لأن أبا العلاء المعري انشغل كثيرا بالهم النحوي لتوليد الصورة الشعرية وقبله قال المتنبي  
اذا كان ما تنويه فعلا مضارعا 
مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم 
وقوله أيضا: 
حولي بكل مكان منهم خلق
تخطي اذا جئت باستفهامها بمن
وأعود للجواهري وبيته، لأن كل الذين يرددون عجز البيت (ختام القصيدة بالمطلع) لا ينتبهون وربما لا يريدون ذلك، لأن الجواهري قال في صدر البيت: يا واصلاً، وإذا حاولنا غض النظر عن (نشيد الخلود) يكون القول: يا واصلا ختامَ القصيدة بالمطلع، و(واصلاً) اسم فاعل يحتاج مفعولا به هو (ختامَ) فمن الذي وصل الختام في مطلع القصيدة، إنه الحسين العظيم بدلالة إعمال اسم الفاعل والفتحة الظاهرة على (ختام) لتكون مفعولا به لفعل الوصول، فضلا عن قوله بالمطلع والباء للواسطة ولو قال(في المطلع) لصحَّ ما ذهب له من أخذ من البيت المعنى الذي يريده لا الذي يريده الجواهري وقصيدته، لأن الحسين العظيم هيمن على وجدان الشاعر فوصل إلى ختام القصيدة بمطلعها. فاتني أن أهنئ الشعر العراقي برموزه من نخلة وفراتين والحسين العظيم، وأهنئ الجواهري (بباسقات نخيله)  ومناسبة التهنئة تكمن في إعلان وزير الثقافة والسياحة والآثار د. عبد الأمير الحمداني إدراج (النخلة والزيارة الإربعينية) على التراث العالمي غير المادي لليونسكو، وهذا يعد تتويجا لسعي وزارة الثقافة والسياحة والآثار لإظهار كل ما هو عراقي إلى العالم؛ فسلام على باسقات الجواهري وهي تدرج على التراث العالمي، تلك النخلة التي تعد هوية العراق  ونكهته، وألف شكر لوزارة الثقافة والسياحة والآثار.