إبراهيم سبتي
تدخل مادة الكتاب المدرسي كأهم عنصر من عناصر العملية التربوية إضافة إلى الطالب (المتعلم) والمعلم، وجميعها لها أهميتها ومكانتها ودورها في إنجاح عملية التعليم؛ الهدف النهائي. ولا يمكن أن نُخرج أي عنصر منها لأنه المحفز والمكمل لها، وبالتالي فالمهمة واحدة ومنسجمة ومتراصة. أما الكتاب المدرسيّ فهو العنصر الظاهر للرأي العام باعتباره الجهة الأكثر انتشارا في البيوت والمدرسة معا
وهو ما ينبغي أن يكون العنصر الفاعل في إعطاء المعلومة، الأمر الذي لا يقتصر على هذا، إنّما التفاعل معها والإبداع فيها وهو ما تنشده العملية التربوية فنكون بأمسّ الحاجة إليه لأنّه ينمّي العقلية اليقظة للمتعلم وهو ما يكون في المواجهة دوما. في الآونة الأخيرة شهدت وسائل الإعلام حراكا غير مسبوق في مسألة المناهج الدراسية وما لحق بها من حالات التأليف والطباعة والتغيير والتوزيع وسواها، الأمر الذي يضع الوزارة أمام معضلة كبيرة في السعي الجاد لمعالجة أيّ خلل قد ينتج عن ذلك، وهو أمر صعب إن لم تتعاون الأطراف كافة.
إن المنهج هو أولا وأخيرا يُؤلَّف من قبل لجان متخصصة في إيراد المعلومة، والأهم أنه يجب أن يكون مناسبا لأعمار الطلبة وفق مراحلهم الدراسية. فالنقد الذي تابعناه مؤخرا يؤكد في حيثياته على مدى صعوبته في بعض المراحل الدراسية، وعدم مجاراته مستوى الطالب، وهنا نقول بأن أيّ منهج دراسي لا يمكن تأليفه لأيّة مرحلة من المراحل ابتداءً من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف السادس الاعدادي بفرعيه، ما لم تكن هناك لجان خاصة ومتخصصة تضع المادة العلمية ويتفق عليها حسب القدرات العقلية والاستيعابية لكل مرحلة، ومن ثم يحال الكتاب قبل طباعته إلى لجنة أخرى تدقيقية مهمتها تدقيق الجانب العلمي والهفوات التي تصاحبه إضافة إلى تعديل وشطب بعض المعلومات. بعدها يحال إلى تربوي له خبرة طويلة في تصحيح ومراقبة المناهج مهمته الفحص من الجانب اللغوي والفني. وهذا كله بإشراف تربويّ آخر يكون مسؤولا عن اخراج الكتاب. ولكن المعلومة التي لا يعرفها البعض، أن المنهج الدراسي لا يتغير كليا ويبدل إلّا بعد مرور خمس سنوات على تأليفه الأول، وهذا معناه بأن أي تأليف جديد لا يجوز إلّا بعد مرور خمس سنوات حسب تعليمات تأليف المناهج. وما يحدث أن تتلقفه وسائل الإعلام، هو تبديل وتغيير بعض المعلومات والمفردات أو العبارات وليس كلها ممّا تثير لغطا. وهذه التغييرات يصار بعدها إلى تبليغ إدارات المدارس بتوضيحات لها وإبلاغ الطلبة بها، أو بطباعة الكتاب طباعة جديدة إن كانت التغييرات تطال أكثر من فصل أو وحدة. والمعلوم إن أي تغيير أو تأليف كتاب جديد محل القديم يأتي لمواكبة التطور الحاصل في العلوم والمعارف وخاصة في المناهج العلمية.
هذه التطورات تأتي ليكون الطالب مدركا لما يحدث من حوله من تقدم سريع في المعلومة، وهذا ما يحدث أيضا في جميع دول العالم وهو سباق مع المعرفة من أجل سبر أغوار التطور التقني السريع. يؤلَّف المنهج من قبل لجنة من الأكاديميين وهذا ما أثار بعض التعليقات وردود الأفعال الإعلامية باعتبار أن هؤلاء يؤلفون حسب مستواهم الأكاديمي وليس بمستوى الطالب واستيعابه العقلي. والغريب أن بعض المنتقدين يذهبون إلى القول بأن المنهج صار أصعب من مناهج الماضي أضعافا مضاعفة، وهو أمر يجب إدراكه بأن التقنية والمعلوماتية تتطور بمديات سريعة لا يمكن اللحقاق بها، وبذا يكون المنهج مواكبا لهذه التغييرات في فضاء المعرفة الهائلة. أمّا بالنسبة إلى التأليف أقول إنّ على القائمين بتأليف المناهج أن يشركوا معهم المعلمين والمدرسين والمشرفين التربويين لأسباب عديدة أهمها أن هؤلاء أقرب إلى الطالب وعمره ومستواه وبالتالي هم أقرب إلى المستوى العلمي للمنهج الذي يستوعبه الطالب.
هذه الفكرة سوف تساهم في تذليل كثير من الصعوبات والمشاكل إضافة إلى وضع المنهج في مكانته الصحيحة والملائمة ممّا يسهل التفاعل بين المنهج والمعلم والطالب. إن إشراك المعلم في تأليف المنهج أو الأخذ بوجهة نظره سيؤدي حتما إلى تقبل المنهج تقبلا مرموقا من قبل المعلم والطالب والعائلة التي تعاني هي الأخرى من مهمة تعليم أولادها للمنهج الدراسي المُحدّث وهي مهمة العائلة التكميلية بعد المدرسة. أقول هذا إضافة إلى ما تقوم به مديرية المناهج أصلا في إشراك المعلمين والمدرسين في دورات مستمرة لغرض تأهيلهم للمناهج التي يتم استبدالها أو تغيير مادة فيها. أعتقد بأن التربوي المتفاعل مع المنهج هو التربوي الذي يستحق اشراكه في التأليف أو أخذ رأيه في بعض المعلومات باعتباره أكثر ملاصقة للصف وقدرات الطالب الذهنية.