صالح الشيخ خلف
اذا كان صحيحا أنّ العلاقات الخارجية الاميركية قليل ما تدخل في توجهات الناخب الاميركي ، الا ان الصحيح ايضا ان الملفات الخارجية الاميركية اسقطت رؤساء ومرشحين اميركيين في الانتخابات كما كانت الحالة مع الرئيس الاميركي جيمي كارتر عندما فشل في معالجة ملف السفارة الاميركية في طهران عام 1979 .
الرئيس الاميركي دونالد ترامب شغوف الى حد الثمالة – كما يقول دبلوماسي غربي – بنتائج الانتخابات التي يخوضها، وبالتالي هو يضع هذه الانتخابات امام عينيه في كل خطوة يخطوها ليس من الان وانما منذ عامين تقريبا ويتساءل هل انها تخدم نتائج الانتخابات او لا ؟ بالشكل الذي شخص فيه عدد من المراقبين الاميركيين هل ان الرئيس يبحث عن المصلحة الاميركية العامة ام مصلحته الانتخابية الخاصة ؟ . فمثلا – يضيف الدبلوماسي الغربي – عندما اخبر بعملية اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني، قال هل ان العملية تخدم نتائج الانتخابات ؟! وافق عندما اكدوا له بنعم !.
فريقان يحيطان بالرئيس الاميركي دونالد ترامب . الفريق الاول الذي يشكله المسؤولون الاميركيون الذين يدفعون بالرئيس لاتخاذ قرارات حاسمة في الشرق الاوسط لان ذلك – كما يعتقد هذا الفريق – يخدم موقفه في السباق الانتخابي . اما الفريق الثاني الذي يشكله القائمون على حملته الانتخابية فانه لا يشجع الرئيس ترامب على اتخاذ اي قرارات « جدلية » تؤثر سلبا في وضعه الانتخابي ، خوفا من اي تطورات قد تحدث لايمكن السيطرة عليها او تكون خارج قواعد السيطرة .
لم يستطع المقربون من الرئيس ترامب حسم هذين التوجهين حتى الان، لكن الاكيد ان طرح « صفقة القرن » لم يكن بعيدا عن السباق الانتخابي انْ في التوقيت او في التوجه، لان تاخير الاعلان عنها حتى انتهاء عطلة راس السنة كان مهمة لتزامنها مع انطلاق السباق الانتخابي في الوقت الذي اعطت اللوبي اليهودي الذي تمثله منظمة ايباك « عربونا » انتخابيا مناسبا للحصول على دعم اللوبي في الانتخابات .
ومن خلال تاريخ الانتخابات الاميركية، من المستبعد رؤية تحرك او خطوة اميركية واضحة في منطقة الشرق الاوسط بعد ان بدأ السباق الانتخابي حتى شهر نوفمبر القادم تاريخ اجراء الانتخابات الاميركية .
وعلى الرغم من ادعاء وزير الدفاع الاسرائيلي « نفتالي بنت » بتقسيم الادوار مع الجانب الاميركي حيال سوريا والعراق حيث تتكفل اسرائيل بمواجهة ايران في سوريا في حين تركز الولايات المتحدة على الفعل الايراني في العراق، الا ان المؤشرات لا تدل على امكانية قيام الحكومة الاميركية الحالية بعمل واضح في منطقة الشرق الاوسط لا مع ايران ولا مع غيرها، اللهم الا في ما يتعلق بالورقة الايرانية التي ما زال الرئيس ترامب يراهن عليها ويعتقد بانه يستطيع ان يلعب بها في الانتخابات بعد اقناع الايرانيين بالجلوس معه على طاولة مفاوضات للتوصل الى اتفاق جديد ياخذ بنظر الاعتبار كما وعد به حلفاءه ، الامن الاقليمي والتدخل الايراني في المنطقة .
ملفات المنطقة اخذة بالتسخين بينما الاميركي يريدها نارا هادئة . حكومة جديدة في لبنان تسعى لاحتواء المشكلات اللبنانية . حرب مفتوحة على كل الجبهات في الشمال الشرقي السوري لانهاء مشكلة ادلب في الوقت الذي يقف الجيش السوري مع حلفائه لانهاء معركة ادلب على الرغم من التنمر التركي . في العراق يستعد المرشح لرئاسة الوزراء محمد توفيق علاوي لطرح وزارته على مجلس النواب لنيل الثقة . في اليمن هناك اعلان عن انسحاب اماراتي وفق تقديرات برغبة في التهدئة لكن ليست للخواطر وانما لانهاء المعاناة . اما في ايران فالمشهد يسير باتجاه اجراء انتخابات برلمانية تشير التكهنات الى فوز المتشددين ضد سياسة التطبيع مع الولايات المتحدة .
هذه التطورات ليست بعيدة عن التوجهات الاسرائيلية خصوصا المحور الذي تقوده ايران في المنطقة ، ولذلك فان بعض هذه الملفات تحاول استغلال الوضع الانتخابي في اميركا واسرائيل على حد سواء لانجاز ما يمكن انجازه وفق مقاسات مصالحها بما يخدم الامن والاستقرار في بلدان هذه المنطقة ، بينما تدور ملفات اخری في دائرة تحاول ان تجد لها محط قدم في منطقة تتداخل فيها الاهداف والمصالح .
لكن الرهان في كل ذلك يبقى على الية تحرك هذه الملفات وكيفية تعاطي اصحابها مع تفاصيلها، خصوصا ان الاوضاع في لبنان وسوريا وايران واليمن تبدو تحت السيطرة اكثر من العراق بسبب التشرذم الذي تشهده الساحة العراقية خصوصا على صعيد الشارع الشيعي المعني بترشيح رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة منذ الاول من تشرين الاول الماضي وحتى الان .