{قصة زواج} .. الخروج من الجنة

الصفحة الاخيرة 2020/02/18
...

علي حمود الحسن
في حوار سينمائي، جمعني بالزميل الفنان لؤي محمد أمين مسؤول ملحق "شمس الصباح" تحدثنا فيه عن فيلم "قصة زواج (2019)" الفائز بجائزة أوسكار أفضل ممثلة ثانوية، قال لي: "إنّ الزواج- تخصيصا في حكاية الفيلم وليس تعميما– مؤسسة تعطّل الفعل الابداعي وتحدّ من تدفقه، فلا بدَّ من وجود تكيّف للتقليل من هذا الضرر"،  وهو رأي معتبر بقدر، فمن وجهة نظري المتواضعة، ان ما توصل اليه الزميل هو نتيجة لأسباب نخرت عميقا في قصة حب جمعت مخرج مسرحي موهوب ومرهف (آدم درايفر) وممثلة طموحة (سكارليت جوهانسن)، توجّت بزواج ثمرته فتى جميل، ينهمكان في عملها الفني وحياتهما شبه البوهيمية بسعادة، تتفانى في حبّه وتنظر الى نجاحه سؤددا لأسرتها الصغيرة، يبادلها ذات المشاعر، تغطي شهرته ونجوميته على طموحها الفني، ولكن لا ضير، فنجاحه من نجاحها، تسنح لها فرصة لأداء دور في مسلسل تلفزيوني في لوس انجليس حيث تعيش والدتها، تنجح في الدور وتتعاقد  لموسم كامل فتقرر البقاء مع طفلها، يرفض ذلك لاسباب تتعلق بعمل فرقته في نيويورك، يختلفان ويحتدان فيتسع الشرخ بينهما وينتهي بالطلاق، على الرغم من حبهما الكبير ووجود ابنهما  الفتي.
 هذه الحكاية التي قد لا تبدو غريبة، فالحياة حافلة بأمثالها، نفذها باومباخ بسرد بصري محبوك موظفا تقنيات العرض المسرحي، فثمة المكان الواحد والحوارات الطويلة، وترتيب سياق الاحداث تماما مثل فصول مسرحية، وربما القت قصة طلاقه من الممثلة .2011، ظلالها على ثيمة الفيلم. 
إلتجأ المخرج الذي كتب السيناريو أيضا، الى حيلة سردية في المشاهد الافتتاحية، فأدخلنا في دوامة أحداث الفيلم من خلال ورقتين كتب فيهما الزوجان أحسن ما يراه في صاحبه، نراه مجسّدا على الشاشة من خلال صوت تشارلي ونيكول، وبذا أوحيا لنا كأنما هما متشبثان بقصة حبهما وأسرتهما الصغيرة، لنكتشف أنّهما في مكتب الباحث الاجتماعي الذي يحاول إصلاح ذات البين من دون جدوى، فتنقل القضية الى المحامين والمحاكم، وسط إصرار نيكول على البقاء في لوس انجليس لإنجازها المسلسل،  ومحاولة تشارلي لان يعيدها الى بروكلين في نيويورك، تتسع الهوة بينهما وتتحول مشاكلهما الصغيرة الى كرة ثلج، يخسران أموالهما وما ادّخراه لمصاريف ابنهما هنري الجامعية، لتسديد أجور المحامين، يلتقيان ويحاولان إصلاح أمرهما، لكنّهما يصلا الى طريق مسدود يتم الطلاق وتكسب نيكول رعاية ابنها، لكنهما يظلان مذهولين وكأنّما غير مصدقين، تلتقي نيكول بشباب آخر وتبدأ حياتها، لكنّها تفاجأ بتشالي يقتحم شقتها ويطلب منها أن يقيم معهم. اعتمد المخرج على ممثلين قدموا أفضل ما لديهم، خصوصا الممثل الاميركي آدم درايفر ("الرجل الذي قتل دون كيشوت"، "الموتى لايموتون") الذي جسّد شخصية تشارلي، وسارليت جاهنسن بدور نيكول، والممثلة لورا ديرن بدور نورا المحامية الشرسة، التي تعتقد أن قضية أي تترافع عنها هي قضيتها وتفترض أنّ كلّ الرجال هم أعداء، وعلى الرغم من أدائها وحضورها الطاغي، إلّا أنّها بدت متكلّفة ومتصنّعة، لكن هذا لم يمنع حصولها على جائزة اوسكار أفضل ممثلة مساعدة، وأدى   شخصية محامي تشارلي (راي اليوتا) مجسّدا الاحتراف والقسوة بعيدا عن المشاعر الانسانية، فيما تألقت جوهانسن بدور نيكول الزوجة المتفانية والممثلة الطموحة التي تنتفض لكرامتها وترفض أن تكون ظلا لنرجسية رجل وان كان زوجها، الفيلم أخيرا قدّم معالجة لسيرة زوجين فنانين لم يحسنا إدارة حياتهما، إذ كانا يعتقدان أنّهما ربما خسرا زواجهما وربحا حريتهما، إلا أنّ الوقائع تقول غير ذلك.