{الطريق الذي أمامنا}.. مقالة لعجوز مسَّ أطراف الحكمة

الصفحة الاخيرة 2020/02/18
...

ترجمة جودت جالي
توفي الممثل الأميركي كيرك دوغلاس في يوم الأربعاء 5 شباط 2019 عن عمر ناهز الثالثة بعد المئة. ممثل حاز جوائز عديدة ومؤلف عشرة كتب ومجموعة شعرية بعنوان "الحياة يمكن أن تكون شعراً" عام2014. كتب أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة سنة 2016 مقالا ليضرب فيه، بالنظر لكبر سنه، مثلا رائعاً في الاهتمام بالشأن العام وبمستقبل بلده وبالقدرة المثيرة للإعجاب في استشراف المستقبل، ومن الواضح اليوم أنه لم يكن مخطئاً فيما قاله هنا، وإن مقاله هذا إن لم يكن درساً مليئاً بالحكمة، فهو مثال على الثبات على الموقف.
 
 أنا في سنتي المئة. عندما ولدت في العام 1916 في حي امستردام، بنيويورك، كان رئيسنا ويدرو ولسن، وكان والداي اللذان لا يعرفان القراءة والكتابة مهاجرين من روسيا وكانا جزءاً من موجة مهاجرين، أكثر من مليونين من الذين فروا من برامج القيصر الإجرامية في بداية القرن العشرين. سعياً الى حياة أفضل لأسرتهما في بلاد سحرية حيث اعتقدا أن الشوارع مبلطة 
بالذهب. 
ولكن ما لم يدركاه إلا بعد وصولهما أن تلك الكلمات الجميلة المرحبة المنقوشة على نصب الحرية لا تنطبق بالتساوي على كل القادمين،  فالروس والبولونيون والإيطاليون والايرلنديون، خصوصاً الكاثوليك واليهود، عوملوا كأنهم غرباء لا يمكن أن يكونوا «أميركيين حقيقيين». 
يقولون لا شيء جديد تحت الشمس ولكن منذ أن ولدت دار كوكبنا حول الشمس مئة مرة ومع كل دورة كنت أراقب بلادنا وعالمنا يتطوران بطرق لم يكن لتخطر على بال والدي، ولا تزال تثير في العجب مع كل سنة تمر. كسبت النساء خلال حياتي حق التصويت وكسبت أخيراً واحدة من النساء ترشيح حزب سياسي رئيس (هيلاري كلنتون)، وأصبح ايرلندي-أميركي كاثوليكي رئيساً، وربما ما كان يعد من العجائب هو أن يكون أفريقي-أميركي رئيساً لنا (باراك أوباما).  
كلما امتدّ بي العمر كلما فوجئت بحتمية التغيير، ولكم فرحت لأنّ الكثير جداً من التغييرات التي شهدتها كانت 
جيدة. 
مع ذلك فقد عشت أيضاً عبر فظائع الكساد الكبير وحربين عالميتين، إحداهما أشعلها رجل وعد بأن يعيد بلاده الى عظمتها السابقة (هتلر). كنت في السادسة عشر من عمري عندما جاء ذلك الرجل الى السلطة، ولقد كان موضعاً للسخرية والضحك لعقد من الزمن قبل ذلك. لم يأخذه أحد على محمل الجد، ورآه الجميع "أضحوكة" لا يمكنه خداع وحرف أمة متحضرة بخطابه القومي وبلاغته المليئة بالحقد. لكن "الخبراء" الذين نبذوه بوصفه أضحوكة كانوا على خطأ. منذ بضعة أسابيع سمعنا كلمات قالها رجل في أريزونا قالت زوجتي التي تربّت في ألمانيا أنّها جعلت عظامها ترتعش (يقصد خطاباً لترامب الذي كان مرشحاً للرئاسة)، كلمات لا تختلف في رفضها للآخر عن التي قيلت في العام 1933 :
«يجب علينا أن نكون نزيهين بخصوص حقيقة أنه ليس كل واحد يسعى للالتحاق ببلادنا سيكون ناجحاً في الاندماج، ومن حقنا كأمة ذات سيادة أن نختار المهاجرين الذين يبدون لنا قادرين على الازدهار هنا، بما في ذلك الاختبار لتحديد الهوية الايديولوجية للتأكد من أن الذين ندخلهم في مجتمعنا يشاطروننا 
قيمنا....».
هذه ليست هي القيم الأميركية التي قاتلنا لحمايتها في الحرب العالمية الثانية.
حتى الآن أظن أنّي رأيت كلّ شيء تحت الشمس، ولكن ما سمعته هو نوع من ترويج للخوف لم أشهده من مرشح رئاسي من قبل في حياتي. لقد عشت حياة طويلة ممتعة، ولن أكون هنا لأشهد هذا الشر يتجذّر في بلادنا، ولكن أولادكم وأولادي سيشهدونه، وكذلك أولادهم، وأولاد 
أولادهم. 
كلنا ما زلنا نتوق للبقاء أحراراً، وهو ما يرمز الينا كبلد. لقد كنت دائماً فخوراً لكوني أميركياً، وحتى الوقت الذي أكون قد رحلت فيه أصلي لكي لا يتغيّر هذا. في ديمقراطيتنا قرار البقاء أحراراً هو قرارنا. 
سيكون عيد ميلادي المئة بعد شهر ويوم من انتخاب الرئيس التالي وأودُّ الاحتفال بعيدي بالنفخ على شموع كعكتي ثمّ أصفّر لحنَ «الأيام السعيدة هنا مرة أخرى»، وكما قالت صديقتي الحبيبة لورين 
باكال:
«تعرف كيف تصفّر أليس كذلك؟ فقط ضمّ شفتيك وانفخ».
 
/عن جريدة هفنغتون بوست