الى الروائي الراحل الدكتور
علاء مشذوب في ذكراه السنوية
دراجة وقبعة متأخيتان
مذ شعرتا أنهما
وحيدتان في هذي الدنيا
الواسعة السائرة للضيق الأصم،
ليس لهما سوى أن تستقرا
في المكان
المزدان بالعنفوان،
زاوية بحجم الكون انتبذا
فكان المكان القصيّ
المكان الذي اختارا بمحض إرادتهما.
بين حين وحين
تدور إحدى العجلات على عجل
وبالتناوب تدوران
وتدوران، ثم تتوّقفان بإيعاز خفي.
تتوقفان برهة، ثم تعاودان.
مكان بحجم كبير
يتسع لهما وللجميع،
كل الذين يرومون الدخول
ولا يسلّمون،
والذين سيخرجون
مغادرين دونما استئذان،
أو تحية للتوأمين،
دونما التفات
وهما يقفان بائسين.
زاوية تستقبل الداخلين
بسرد طويل.
لا يترك الداخل أمرهما،
دراجة وقبعة!
هما في نظر الجميع
جمع من الحكايات
رواها الرواة وهم عابرون
رواها منْ كان يمتطي الصهوة
والرهوان الصغير،
روى، وروى، ولم يكلُّ
ممّا هو عجيب وغريب،
حكايات الأزقة والممرات
والزوايا الخفية في الحارات،
مصاحف يطول عدّها
صفحات يزداد عدّها
حكايات الأبواب السائرة للاتساع
المقلقة حدَّ الكهولة
ووسم التجاعيد،
مرايا صقيلة تعكس
الوجوه وهي تنوء بحملها
كل الوجوه البائسة
المصابة بجور الزمان
علامات الضنك والتعب المستدام
تعب الأيام والسنين والتاريخ البغيض
علامات الأسى
تواريخ تضم الوجوه والصفحات
حائلة الأديم
سطّرها امرؤ ثم رحل
لم يكن في باله الرحيل
لكنه رحل في غفلة الزمان
تاركاً شبابيك مقفلة على نفسها
ماسكة بكوكب قلق خوف السقوط
تنفتح الأُخرى على يقين
للعشاق والمحبين
حمّلتهم الأبواب والشبابيك
سر الحياة وسر الخلود
وسقتهم آبار بيوتهم من نكهتها
وضمتهم سراديب البيوت بعيدا.
بعيداً، بعيداً
عن لفح الجحيم
وقرص السكاكين.
دراجة وقبعة،
قيل كانا يتجولان في الليالي
يسيران،
نحو الأزقة والشوارع
اللائي يحبان،
الدراجة سائرة
والقبعة تحوم فوقها كطير يرفرف
بجناحين، تتحرك نحو أسفل وأعلى.
وفسّرَ المفسرون
بينما الدراجة تمسح وجه الأرض ولا تلين
لم ير أحد بقول المجانين منطقاً
لكنهم تقوّلوا وفسروا على الهوى
عن دراجة وقبعة تجوبان الآزفة والشوارع
التي تُحب!
ولا تتوقفان حتى يحين انكشاف الصباح
تذوب الأشياء في يقين الضوء والوقد والهجير.
اثنان؛ دراجة وقبعة سائران
كانا سائرين، يجوبان الأزقة
والشوارع والزوايا القصيّة
ولا يغفلان.
لكنما النساء القابعات
في البيوت انتبهن،
ليس ما يُثير الفضول
سوى الغياب
لا جرس يصوّت في الزقاق،
لا دراجة تمر مسرعة،
لا ضحكة من فمه الجميل
يُسارع لها الأطفال قبل النساء
اللائي يبدون متسائلات:
أين الضجيج ؟
أين غناء المنبه
وهو ينطلق من جرس الدراجة؟
أين من يحبه الأطفال والنساء؟
النساء القابعات في البيوت
حيث يهرعن لفتح الأبواب
حين تمر الدراجة مسرعة
في الزقاق من المرور!
لقد خلا الزقاق!
و غاب الحضور
بعد أن حلَّ الغياب
يا للعذاب!