تقسيم العراق.. مستلزمات منْعِه وعوامل تحقيقه

آراء 2020/02/18
...

عبد الحليم الرهيمي

على الرغم من توكيد غالبية العراقيين، من مختلف مكونات المجتمع العراقي العرقية والدينية والمذهبية، رفضَ تقسيم العراق وحرصهم على وحدة كيانه السياسي والجغرافي، لكن، مقابل ذلك، يرفع بعض منهم، وخاصة من القيادات السياسية والدينية، شعار فدرلته أو تقسيمه إلى ثلاثة كيانات لمختلف الذرائع والأسباب! لقد رفعت دعوات إقامة (إقليم سني)، في المحافظات الغربية.

بعد أن رفضت قيادات سياسية المشاركة في صياغة الدستور العام 2005 والدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء عليه وذلك للاعتراض على الكثير من مواده. 
كما عبّرت بعض القيادات الدينية الشيعية، بعد عام من إقراره، عن رغبتها لإقامة كيان فيدرالي لتسع محافظات شيعية، أو ذات أكثرية شيعية، وتمثل ذلك بالمشروع الذي طرحه المرحوم السيد عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي آنذاك، ثم أُعيد، بعد ذلك، طرح الفدرلة والتقسيم في مراحل لاحقة، في بعض المحافظات الغربية، خلال التظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت فيها العام 2012 و 2013، وقد تكرر ذلك عندما طرح على البرلمان مسودّة (قانون الحرس الوطني) لمناقشته وإقراره في نهاية شهر كانون الأول العام 2014، إذ عدّه بعض القادة السياسيين، أو نواب من المحافظات الغربية، (وصفة لتقسيم الدولة العراقية)، ووضع بمعادلة (الحرس الوطني أم إقليم الغرب)؟ 
وأخيراً، وتحديداً بعد دعوة البرلمان للانعقاد، في الخامس من كانون الثاني المنصرم، لاتخاذ قرار بسحب القوات الأجنبية، وخاصة قوات التحالف الدولي، من العراق، امتنع نواب الكتل السياسية البرلمانية، للمكونين السني والكردي، من حضور الجلسة لاعتراضهما على جدول أعمالها باتخاذ قرار لإبعاد القوات 
الأجنبية. 
وقد عبّر عدد من هؤلاء النواب عن سبب امتناعهم عن حضور الجلسة والتصويت على القرار المقترح بأنّه يضرّ بمصالح العراق ويضعف مقاومته ومحاربته لداعش وكل القوى الارهابية. 
والواقع أن ثمة ظروفاً وأسبابا سياسية واجتماعية واقتصادية، وربّما عوامل خارجية، وهي الأقل تأثيراً، تقف وراء تلك الدعوات التي ينبغي دراستها وتفهمها وأخذها في الاعتبار. 
ويخطئ بعض الكتاب و (الأكاديميين) عندما يرجعون تلك الدعوات إلى سبب خارجي وحيد، ومثالهم (الأثير) للتدخل الخارجي هو ما عبّر عنه المرشح "جو بايدن" لنيابة الرئيس الأميركي أوباما العام 2008، معتبراً أن إصلاح الأوضاع في العراق يمكن تحقيقه بما أطلق عليه بـ (التقسيم الناعم للعراق). 
لا شك أن استخدام (مشروع بايدن) لتفسير أسباب الدعوات للفدرلة أو التقسيم كدليل هو تبسيط مروّع لقضية معقدة، فإضافة إلى ما يمثله الاستناد إلى (الدليل الأثير) لدعوة بايدن من استفزاز لمشاعر وآراء ومواقف شرائح عراقية تدعو للفدرلة أو التقسيم لأسباب تراها مسوّغة لتلك الدعوة، فإن ذلك يشير إلى ما يمكن وصفه بالكسل الفكري لبعض الكتاب والأكاديميين الذين يستسهلون نظريات المؤامرة الخارجية بدل الغوص العميق في أسباب ومسوغات ودوافع مثل تلك الدعوات، كيما نتمكن من معرفة وتحديد مستلزمات منع الفدرلة والتقسيم بتوفير شروط التمسك بوحدة العراق السياسية وهويته الوطنية. 
وإذا كان قيام إقليم كردستان العراق الذي تحقق عملياً منذ العام 1991، وثبت بدستور 2005، وتوافقت عليه القوى السياسية والرأي العام بعد ذلك، وأصبح واقعاً مقبولاً، فإن الكرد من جهتهم إذ يعبرون عن حرصهم في البقاء كجزء من دولة العراق، إلّا أنّهم لا يخفون رغبتهم بالاستقلال إذا ما سنحت الظروف بذلك. 
أمّا إقليم المحافظات الشيعية التسع فقد تراجع الحديث عنه وتداوله بعد فترة وجيزة من الدعوة له، وبقيت بذلك المحافظات الغربية ذات الأكثرية السنية هي التي يرفع بعض قياداتها السياسية والدينية، بين حين وآخر، شعار إقامة (الإقليم السني)، أو إقليم المحافظات الغربية، ضمن الدولة العراقية، الذي يعتبر المعارضون لإقامته أنّه يمهّد لتقسيم العراق إذ ستبقى المحافظات الشيعية بمثابة كيان قائم لوحده من دون دعوات من أيّة قيادات سياسية أو دينية! والواقع إنّ ما يمنع التقسيم والأخذ بالفدرلة، كنظام إداري، باستثناء الكيان السياسي الفدرالي لكردستان العراق القائم أصلاً، هو تفهّم كلّ مكون مشاعرَ ورغبات والمطالب المشروعة للمكون الآخر، مع دور فاعل للدولة في إنجاز ذلك. 
إنّ تحقيق إصلاحات وطنية حقيقية لمصلحة جميع العراقيين، وبمختلف مكوناتهم، هو أحد المستلزمات المهمة والضرورية للحفاظ على الوحدة السياسية والجغرافية للكيان الوطني العراقي، ذلك لأنّ اتخاذ المواقف بالإكراه والقهر وعدم مراعاة ما يطلبه الآخر، وعدم المشاركة الحقيقية بالثروة والسلطة والقرار، سيؤدي إلى التقسيم عاجلاً أو آجلاً. 
وهنا من المفيد التذكير بما قاله المرجع الديني الكبير، السيد علي السيستاني، في حواره الذي أعدّه (نادرا)، مع وكالة الصحافة الفرنسية، ونشر في 23 آب 2015، والذي حذّر فيه من "التقسيم" ما لم يتحقق إصلاح حقيقي وذلك بقوله: (ربّما تنجرّ الأوضاع إلى ما لا يتمناه أيّ عراقيّ محبّ لوطنه من التقسيم ونحوه لا سامح الله). 
وإذ إن الطبقة السياسية المسؤولة عن تحقيق الإصلاح عاجزة عن القيام بدورها، فإنّ الأوضاع ما زالت تنذر بحصول ما لا يتمناه أيّ عراقي، كما حذر السيد السيستاني من ذلك مبكراً.