كيف جعل مهاتير محمد بلاده كتلة اقتصادية كبيرة في العالم؟

اقتصادية 2020/02/19
...

بغداد/ الصباح
 
يتطلع العراق إلى الاستفادة من تجارب الدول الاقتصادية الكبرى التي بدأت من دولة متخلفة اقتصادية إلى دولة تضاهي الدول الاقتصادية العظمى، لا سيّما أن العراق يمتلك المقومات والقدرات التي تجعله في مصافّ الدول الكبرى. وبحسب المختصين في الشأن الاقتصادي فإن العراق قادر على استعادة طاقاته الاقتصادية والنهوض بها من خلال تقليل الاعتماد على الواردات النفطية التي عادة ما تكون إيراداتها غير ثابتة، لكونها تتاثر بتقلبات الأسواق العالمية، وما يدور من أحداث حول العالم، فضلا عن دعم القطاع الخاص والتقليل من الاعتماد على القطاعات الحكومية لتحقيق نهضة اقتصادية حقيقية.
التجربة الماليزية
ومن هذه التجارب التجربة الماليزية التي تمكنت ماليزيا من إحياء اقتصادها منذ العام 1988، والفضل يعود إلى رئيس الوزراء الماليزي الذي تسنّم الحكم في العام 1981، والتي تميَّزت فترة حكمه بالنمو الاقتصادي وازدهار البنية التحتية في ماليزيا، ممّا حوَّلها من دولةٍ فقيرة إلى مصافّ الدول المتقدمة الأمر الذي جعله بطلاً في نظر شعوب الدول النامية.
وشَهِدَت ماليزيا ما بين 1988 و1996، نموًا اقتصاديًا بمقدار 8%، وأصدر مهاتير خطة اقتصادية بعنوان: المُضِي قِدَمًا The Way Forward أو رؤية 2020 Vision 2020 مؤكدًا أنّ ماليزيا ستصير في عِداد الدول المتقدمة بحلول العام 2020.
وساهم مهاتير في تحويل الاعتماد الاقتصادي في ماليزيا من الزراعة والموارد الطبيعية إلى الصناعة والتصدير، وتضاعف دخل الفرد من العام 1990 إلى 1996. وعلى الرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي الذي تشهده ماليزيا في الوقت الحالي وقد لا تحقق الهدف بحلول العام 2020، إلّا أنّ اقتصادها ما زال مُستقرًا.
وأعظم إنجازاته خلال فترة حكمه كرئيسٍ للوزراء كانت ستراتيجية الانتعاش الاقتصادي التي اتبعها عقب الأزمة الاقتصادية الآسيوية في العام 1998. فقد خالف آراء مستشاريه وربط سعر صرف العملة بالدولار الأميركي، وكانت هذه الخطوة الجريئة سببًا في تعافي اقتصاد ماليزيا أسرع من الدول الأخرى.
 
نبذة عن مهاتير محمد
ويُعَدُّ مهاتير محمد أحد أنجح رؤساء الوزراء في التاريخ الماليزي، وقد بَدَت على مهاتير أمارات القيادة والنجاح منذ صغره.
كان طبيبًا ناجحًا قبل أن يُصْبِح سياسيًا عقب انضمامه لحزب منظمة الملايو الوطنية المتحدة، ثُمَّ ترقَّى في المناصب السياسية من عضوٍ بالبرلمان حتى وصوله رئاسة الوزراء. خلال فترة حُكمه الممتدة طوال 22 عامًا، كافح من أجل حقوق شعب الملايو والدول النامية، واتبع السياسات التي ساعدت على ازدهار الاقتصاد، وأتاح فرص التعليم لجميع أبناء الشعب الماليزي.
كما رَحَّب بالاستثمارات الأجنبية، وأصْلَح نظام الضرائب، وخَفَّض التعريفات التجارية، وخصخص عدة مؤسسات تابعة للدولة. لقد حصلت ماليزيا خلال فترة حكمه الطويلة على الاستقرار السياسي اللازم للنمو الاقتصادي، وانتقلت من دولةٍ فقيرة إلى مصاف الدول المتقدمة.
إنّ الإنجازات العديدة التي حققها مهاتير، جعلت منه أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ الماليزي.
وُلِدَ مهاتير محمد في 10 تموز/ يوليو 1925، ونَشَأ في ضاحيةٍ فقيرة في مدينة ألور سِتَار، عاصمة ولاية قِدَح بماليزيا. والده محمد بن اسكندر، كان ناظرًا لمدرسة وكان مستواه الاجتماعي والمادي متواضعًا. ووالدته كانت ذات نسبٍ بعيدٍ للعائلة الملكية في قِدَح.
كان مهاتير متفوقًا في دراسته، وحصل على منحة للالتحاق بمدرسة ثانوية إنجليزية، وأكمل دراسته الثانوية فور انتهاء الحرب، والتحق بكلية الطب في كلية الملك إدوارد السابع الطبية في سنغافورة، وهي الآن جُزْءٌ من جامعة سنغافورة الوطنية.
بدايات نهضة الاقتصاد الماليزي
وعن السياسة التي تبناها مهاتير محمد لتصبح ماليزيا البنية المثالية لأفضل الاستثمارات في جنوب آسيا، فقد ظهر التعليم والبحث العلمي على خريطة طريقة كهدف أساسي، وبالتالي خصص أكبر قسم من ميزانية الدولة للتعليم والبحث العلمي والتدريب وتأهيل الحرفيين ومحو الأمية وتعلم الإنجليزية، كما أرسل عشرات الآلاف من الباحثيين للدراسة في أفضل جامعات العالم. ثم أعلن للشعب بكل شفافية خطته الستراتيجية وأطلعهم على النظام المحاسبي الجديد الذي يحكمه مبدأ الثواب والعقاب للوصول إلى ما يعرف الآن بالنهضة الشاملة، فسانده الشعب وناصره وبدؤوا بقطاع الزراعة فغرسوا مليون شتلة نخيل زيت في أول عامين فقط لتصبح ماليزيا أول دولة في العالم في إنتاج وتصدير زيت 
النخيل. 
أمّا في قطاع السياحة فحول محمد كل معسكرات اليابانيين التي كانت موجودة خلال الحرب العالمية الثانية إلى مزارات سياحية لتشمل جميع الأنشطة الترفيهية والمدن الرياضية والمراكز الثقافية والفنية، لتصبح ماليزيا مركزًا عالميًا للسباقات الدولية في السيارات والخيول والألعاب المائية والعلاج الطبيعي وغيرها ليصبح العائد من السياحة 33 مليار دولار سنويًا بدلًا من 90 ألف دولار سنويًا خلال 20 عامًا فقط. 
كما أنشأ واحدة من أكبر الجامعات الإسلامية في العالم لتصبح ضمن أهم 500 جامعة عالميًا. وأنشأ عاصمة إدارية جديدة بجانب العاصمة الإدارية التي كان يقطنها 2 مليون نسمة.وتمكن مهاتير محمد أن يغير حاضر ومستقبل دولته خلال 20 عامًا فقط لتصبح من الدول التي يشار إليها
 بالبنان.
تحالفات استراتيجية
ويمكن الاستفادة من تجربة ماليزيا للنهوض بالاقتصاد العراقي حيث يرى أستاذ الاقتصاد في كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية ميثم العيبي، أن من القضايا المهمة التي على العراق التنبه لها هي الاستفادة من تجارب أخرى سبقتنا، وهو ما يجب أن يتعزز من خلال تحالفات ستراتيجية مع أقطاب دولية كبرى وفاعلة كالصين وأوروبا وأميركا.
وأضاف في تصريح لـ”الصباح”: كما يجب الانتهاء من مرحلة العدالة الانتقالية وإجراء مصالحة شاملة، وبناء عهد اقتصادي وسياسي يوازن بين مكونات الشعب العراقي ولا يقصي أحدها.
وتابع: لا بدّ من منح أولوية للقطاع 
الخاص العراقي من خلال القيام بحزمة سياسات داعمة، وأيضا الشروع ببناء البنية التحتية المندثرة فضلا عن اتخاذ اجراءات حاسمة في موضوع القضاء على بطالة الشباب التي باتت تمثل نقمة تهدد السلم المجتمعي.
 
مقومات الاقتصاد العراقي
ويؤكد خبراء الاقتصاد العراقيون، أن العراق يمتلك المقومات والامكانات التي تجعله في مصاف الدول العظمى إلّا أن ذلك يحتاج إلى ثورة اقتصادية كبرى تبدأ من محاربة الفساد والفاسدين مرورا بدعم القطاعات الانتاجية بشقيها الحكومي والخاص من خلال تفعيل التشريعات اللازمة ومنح التسهيلات للمنتجين، وصولا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات المستهلكة وتصدير الفائض منها إلى الخارج.
وبهذا يحتاج إلى خطط ستراتيجية عملية يلزم تطبيقها من جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في سبيل تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية على غرار النهضة الماليزية ليجعل العراق في مصاف الدول المتقدمة.
ويتمتع العراق بموقع جغرافي مميز يمكن أن يصبح سوقا للتبادلات التجارية العالمية من خلال الموانئ البحرية، فضلا عن امتلاكه الثروات الطبيعية المختلفة بدءاً من النفط ومعادن الفوسفات والكبريت والزئبق وغيرها من الثروات الكامنة تحت باطن الأرض، بالإضافة إلى وجود الكفاءات البشرية التي تمكن العراق من تحقيق بنية اقتصادية كبيرة.
وتعد التربة العراقية من أجود أنواع الترب الصالحة للزراعة، التي يمكن استغلالها لتحقيق الأمن الغذائي في البلد.