يتيح التنقل بين الاذاعات سماع شتى انواع الاغاني والاصوات من جيل الرواد مروراً بالجيل الذي تلاه وصولاً الى جيل الشباب الحالي واغانيهم السريعة جداً في الانتشار والنسيان، رغم تنوع وتعدد وسائل البث لهذه الاغاني، وسهولة سماعها قياساً بالاجيال السابقة وانحسار وسائل بث وسماع تلك الاغاني عبر الراديو والتلفزيون وكلاهما كانا مقتصرين على قناتين واذاعتين، ما يعني ان الكاسيت الوسيلة الاولى لسماع وانتشار الاغاني.

رغم ان الفترة الزمانية للاغنية السبعينية لم تكن مثالية جداً خاصة الجانب السياسي والصراعات الحزبية، لكن ثمة اغنية متكاملة مبتكرة الكلام واللحن والغناء، حتى الاداء كانت له ميزة، هذا التكامل يستند الى روح المنافسة بين شعراء الاغاني ثم بين الملحنين والموسيقيين، حتى يأتي دور المطرب وما يضيفه للاغنية وقد يكون هذا اكثر الامور تأثيراً في قبول وانتشار الاغنية، ومن خلال الاطلاع نلاحظ ان عدداً من الاغاني كانت قد لحنت لمطرب معين لكن من خلال المصادفة او الاستماع لاكثر من رأي تحولت الاغنية الى مطرب آخر قد تكون ملائمة اكثر له ويعطيها اكثر من المطرب الاول. 

لم تكن المفردة وليدة الصدفة او توارد خاطر، كانت مفردة معجونة مع اللغة بنكهة شعرية تحمل بين طياتها تكاملاً جملياً اي الجملة الشعرية الغنائية لاتنفك عن الترابط والتواصل مع الجمل التالية، بل انها تقترب من صياغة قصة شعرية بعذوبة مفردات عامية على درجة عالية من الوعي والترابط مع الموروث اللغوي (اللهجة) المكتوبة بها تلك الاغنية وهذا ايضاً نتيجة وعي وارتباط مع قضايا الوطن والناس وعكسها على اي حالة اخرى وجدانية سواء كانت غزلاً اوحباً وما الى ذلك. اشياء كثيرة كان لها الدور في نضوج تلك الاغاني اضافة الى وعي وثقافة الشعراء واطلاعهم على الموروث الشعبي، فضلاً عن الموهبة وديمومة تطورها وصقلها، وقد تكون للطبيعة حصة في ذلك اذ ما راجعنا عدداً من اغاني تلك الفترة، فثمة اغان كثيرة ترد فيها مفردات (الكمر، الضوء، الزرع، السماء، الحدائق، المطر، الندى، الهوى) وغيرها، وهذا يدل على ارتباط الشاعر بالطبيعة والبيئة التي يعيش فيها وما حولها.اما البساتين فتلك حكاية اخرى فهي وان ذكرت كمفردة في الكثير من اغاني تلك المرحلة، فلها دور اخر، فمن حكايات الاغاني التي يرويها كتابها وشعراؤها ان الفكرة جاءت في جلسة سمر او دعوة او سفرة لبستان صديق، اذ كانت البساتين تحيط بالمدن خاصة مدن الفرات الاوسط والجنوب، مدن شعراء الاغاني والالحان المبهجة، المتناغمة مع جمال الطبيعة (الكمر والخضرة، وماي النهر) .