حسن العاني
ما مرّتْ دورة انتخابية على العراق، الا وكان برفقتها لغط كبير، وقيل وقال عن شتى عمليات التزوير، وعن رشاوى وشراء اصوات وذمم، ومع ان معظم تلك الاحاديث تنطوي على مبالغات كبيرة، أو نوايا خبيثة، ولكن هذا لا يمنع ان قسماً منها يمتلك نسبة عالية من الصحة، ووسط هذه المعمعة نسمع من يقول، إن ما تعلنه مفوضية الانتخابات من نتائج هو الذي يؤخذ به فقط، ولا يؤخذ بمئات الاعتراضات والشكاوى، مع إن الكثير منها محسوب على اللون الاحمر، ولهذا يعتقد البعض، إن النتائج تقررها سلفاً القوى المتنفذة وليس صناديق الاقتراع، ومثل هذا الاعتقاد كما يرى البعض الاخر يفتقر الى الدليل ويتجنى على الحقيقة!!
من بين ما علق في ذاكرتي، انباء تسربت عن احدى الدورات الانتخابية، مفادها ان عدداً من المرشحين انفقوا على حملتهم الدعائية مبالغ وصلت الى (ملايين الدولارات)، وقد تساءل الكثيرون يومها باستغراب: على أي شيء، واي نوع من الدعاية تصرف مثل هذه المبالغ الفلكية؟! وسوف تتراجع لهجة الاستغراب اذا ما وقفنا على (حجم) الانفاق و(نوعه)، فهناك مئات الآلاف من الكارتات والبوسترات والصور الكبيرة المحمولة على ركائز حديدية، وهناك المفكرات والملابس والقبعات والساعات الجدارية وما لا يحصى من الهدايا العينية، وهناك عمليات شراء اصوات ودعوات وولائم ودعايات صحفية وتلفازية واذاعية وضوئية، وهناك آلاف العمال المستأجرين لتعليق دعايات المرشحين، ومئات العمال المأجورين لتمزيق دعايات المنافسين، وهناك وهناك...
اعتقد ان من السذاجة بمكان لو سألنا هذا البعض عن مصادر تمويله، فذلك من شأنه فتح ملفات فضائحية لا أول لها ولا اخر، على إن الامر الغريب في هذا المشهد التراجيدي، يكمن في ان اغلب مليارديرية الانتخابات الذين يقاتلون ببسالة لا نظير لها من اجل مقعد برلماني، يتحدثون 25 ساعة في اليوم بمفردات مبتكرة وحماسية عن نضالهم المرير ضد النظام الديكتاتوري، مثلما يتحدثون بالحماسة نفسها عن الشعب والوطن والوطنية، وانهم يبتغون مرضاة الله عبر خدمة العباد والبلاد اذا ما حصلوا بعد الانتخابات على منصب عليه العين...الخ، اما نحن الذين نحمل لقب (المواطنين الكرام) فقد تعبنا من الضحك على انفسنا، ومن (ضحكهم) علينا، ولكن أكثر ما أتعبنا الى حد الحزن، حين جعلوا منا سكةً لأكاذيبهم، لأن من يمتلك مثل هذه المليارات الحلوة، قادر على خدمة الناس عبر شتى المشاريع السكنية والصناعية والزراعية والسياحية التي توفر فرص عملٍ لآلاف العاطلين، وتسهم في تطور البلد ونهضته الاقتصادية والحضارية، فليست مقاعد البرلمان ولا عناوين (الوكيل والوزير والمسؤول) وحدها التي تخدم، وتجارب البلدان المتطورة غنية عن الخوض في التفاصيل يا.. يا أصحاب الدينار
والدولار!!