أ.د. حسين علي هارف
في إطار ما يسمى بـ « المسرح التعليمي» و « مسرحة المواد التعليمية» ، قدمت فرقة قسم رعاية الطفولة و تنميتها، التابعة للعتبة الحسينية مسرحية « طربوش و عيادة الأسنان « ضمن فعاليات مهرجان نيابوليس الدولي لمسرح الطفل المنعقد في تونس أواخر العام المنصرم 2019 . و قد حقق العرض نجاحاً و تفاعلاً واضحين ، إذ تابعت العرض من داخل قاعة المسرح التي اكتظت بجمهور الاطفال الذي تجاوز الـ 700 متفرج .
علينا حماية أسناننا من التسوس و الدفاع عنها و عن صحتها باللجوء الى معجون و فرشاة الأسنان قبل ان نضطر الى الذهاب الى عيادة طبيب الأسنان ، نحافظ على أسناننا و نعتني بها قبل ان تكون العواقب وخيمة .. من الآلام، لاسيما اذا ما وصل الامر الى القلع الذي يكون اخر الدواء و العلاج. هذه المعلومة الطبية الصحية، قدّمها الكاتب وسام القريني في إطار حكائي ظريف و بمعالجة درامية مشوقة و عبر شخصيات فانتازية مثيرة للانتباه و الإعجاب و الإبهار ، و بحوارات تنوعت في اشكالها و صياغاتها لايصال الرسائل التربوية و الصحية الى الجمهور المستهدف وفقاً لمستويات ادراكهم و قاموسهم اللغوي . لقد برع الكاتب في عملية (انسنة) شخوصه الفانتازية (الفرشاة ، السن الطاحن، السوس) و ادخالها في تماسات درامية محتدمة ( كوميديا) مع الشخوص البشرية ( الطفل طربوش ، الأب ، الطبيب) لتوضع لاحقاً في إطار من المعالجات الحركية «الگروتسكية» وفقاً لمعالجة المخرج ميثم البطران الذي اجاد تأكيد هذه المعالجات عبر التأكيد على عناصر العرض (الزِّي ، الاكسسوار، الموسيقى التي لعبت دوراً جمالياً و درامياً عبر الأغاني التي أضفت طابع الخفة و المرح على العرض) فضلاً عن الأداء التمثيلي المتماهي مع خصوصية الطفل المتلقي و حاجاته ، اذ عمد الممثلون وفقاً للرؤية الإخراجية المتماهية مع النص الى اللجوء الى الأداء الگروتسكي الذي خلق حالات ساخرة و مضحكة أشاعت جواً من المرح و الفرح . برع الممثلون : ميثم البطران و احمد الصفار و وسام القريني و وسام الخزعلي في تجسيد ادوارهم البشرية منها و الفانتازية و امتلكوا لياقة مسرحية مكتملة و مستقرة ساعدتهم في أداء مختلف الأدوار ( بعضهم لعب أكثر من دور ) بما تتطلبه من مجهودات بدنية عالية وفقاً لطبيعة الأحداث ذات الطابع الحركي الفعّال ( الأكشن). و هذا ساعد كثيراً في تحقيق ايقاع مسرحي منضبط و مشدود.
كرار الصافي الذي لعب دور (طربوش) كان بوصفه بطلاً للعرض غاية في الحيوية و الخفة و هو يؤدي دور الطفل و قد ساعدته في ذلك الى حد كبير رشاقته التي دعمت خفة ظله على خشبة المسرح ما ساعده على الفوز بتفاعل الاطفال و تعاطفهم معه . لم يدّخر الممثلون عامة جهداً في تحقيق حالة الشد مع الصالة، فكان كل واحد منهم لاعباً بارعاً أكثر من كونه ممثلاً . فهم لاعبون ماهرون لعبوا ادوارهم بخفة و شغلوا الميدان بانسجام و بايقاع منضبط ، لاعبون كانوا مستمتعين و ممتعين في الوقت ذاته .
و رغم استغناء المخرج عن القطع الديكورية و الاكتفاء بقطعة السرير المتحركة، الا انه عوض عن ذلك بأزياء جميلة و ظريفة لعبت دوراً درامياً فاعلاً الى جانب بعض الاكسسوارات.
طربوش و عيادة الأسنان عرض تعليمي تبنى خطاباً تربوياً تعليمياً بأسلوب مشوق و بكثير من الإمتاع . و بذلك فاز العرض بإعجاب جمهور الاطفال الغفير الذي اكتظت به صالة مسرح المركب الثقافي بنابل، فتفاعلوا بقدر كبير مع الممثلين و مجريات العرض و كافؤوه في النهاية بالتصفيق الحار و صيحات الإعجاب على الطريقة التونسية (براڤووو براڤوووو براڤوووو).