كنت معنادةً على التفكير بأن صيرورة المرء كاتباً هي أشبه إلى حد كبير بصيرورته مقاولاً أو مخترعاً. وكأن المرء لا يحتاج إلّا إلى فكرة جيدة وفريدة حقاً ليبدأ بها. والآن وقد تطوَّرت لديَّ عادة الكتابة المتينة، فإني سعيدة بالقول إني كنت مخطئة في تفكيري ذاك.
إن هناك طرقاً مختلفة كثيرة للنظر إلى الكتابة، لكن حين يشكو أشخاصٌ من وجود حاجز كاتب writer's block لديهم، فإني أعتقد بأنهم ولا بدّ قد أقبلوا على كتابتهم وكأنها مشكلة فكرة. وكما هي الحال مع أي مقاول أو مخترعٍ جيد، فإن الكثير من الكتّاب يرون أن الفكرة الجيدة تحلّ نوعاً ما من المشكلات لدى قرّائهم. وحين لا يبدو لهم أنهم استطاعوا فعل شيء من ذلك، تجدهم يشعرون بما يشبه الفشل ويرون أن هناك حاجزَ كاتبٍ لديهم. غير أن المشكلة قد لا تكون على هذا النحو. وقد لا تحتاج إلى فكرة جديدة أخرى. أو حتى مشكلة تحلّها. ربما أن ما تحتاج إليه هو شيء من الإلهام ــ والخبر الجيد هنا هو أن الإلهام موجود في كل مكان.
فكّرْ كما يفعل الفنان
إن كل ما تحتاج إليه حقاً لتكتب على نحوٍ منتظم هو شيءٌ من الإلهام وأخلاقيات عمل جيدة. وهذا هو ما يفعله الفنانون في كل يوم هنا وهناك في العالم ــ فهم يعملون على مشروعاتٍ تجتذب اهتمامهم وتحركهم.
وغالباً ما يشحذ الفنانون صنعتهم بأقل تأكيد على الفِكَر وبأكثر ضغطٍ على المعنى أو الغرض من عملهم. كما أنهم لا يخشون أن يتمخض ذلك عن بعض النتاج السيِّئ.
لقد كنت أعرف، أيام قررتُ في الماضي متابعة عملي في الكتابة، أنني أهتم بقضايا مثل الصحة الذهنية والآباء والأمهات. لكنني لم تكن لديّ أية فكرة عمّا يجعل كتابتي معبّرةً عن شخصي. ولم أكن أعرف ما الذي كنتُ جيدةً فيه، وما الذي سيُحبّه القرّاء في ما أكتب. وكل ما كنت أعرفه هو أنني قد أحببتُ الكتابة، وأردتُ أن أتابع عملي الإبداعي. وبالرغم من أن شعوري باليأس كأمٍّ عازبة كان يدفعني إلى مواصلة عملي في الكتابة، فإني كنتُ أجد الإلهام لأكتب ولأجد صوتي حين كانت تصادفني بعض المقالات التي يكتبها أحد زملائي السابقين في الدراسة. وكان يكتب بصراحة، ومن دون اعتذار، عن كآبته، ومحاولات انتحاره، وإدمانه على المخدرات. وقد جعلتني كتابته أشعر بوحدةٍ أقل. وكما ترون، فإني قضيتُ سنواتٍ كثيرة أُخفي شعوري بالخجل من حقيقة أن كآبتي ومرضي النفسي قد أتلفا حياتي إلى حد كبير بالطبع. وقد ساعدتني قراءتي قصص زميل دراستي السابق على إدراك أني لست وحيدةً في مشاعري تلك كما كنت أظن. كان ذلك حين خطر في بالي أني ربما لا أحتاج إلى تجنب مثل تلك الأمور. ربما لا أحتاج للاختباء.
و لو انني كتبت ربما عن أسراري، فإن ذلك سيجعل الحياة أكثر يسراً بالنسبة لشخصٍ آخر. وإفشاء الأسرار من أجل مساعدة أشخاص آخرين هو إلهامي العالي المستوى. لكن هناك قدراً كبيراً من الأشياء المنخفضة المستوى التي تُلهمني أيضاً.
كيف نجد الالهام أينما كان
مما يساعدك هنا هو أن تعرف ما المستوى الأعلى من الإلهام لديك، لأن ذلك يحدد اتجاهك، طابعك، وصوتك وأنت تمضي عبر رحلتك ككاتب. وما بعد ذلك، فإن الامكانيات لا حدود لها حقاً. أما ما يُلهمني من الأشياء على نحوٍ متكرر، فهي:
• كتب المؤلفين الآخرين ومنصّاتهم البريدية على الأنترنت
• وسائل الاتصال الاجتماعي كالفيسبوك، وتويتر، وغيرهما
• الأخبار
• السينما، التلفزيون، الموسيقى
• التحدّيات التي تواجهني
• الأمور التي ألاحظها أو التي أعيشها
• أحاسيسي
وأنا أستخدم طريقتين رئيستين لأنخل الإلهام وأنتقي الأشياء التي أكتب عنها. الأولى، أن أكون على الدوام مترصّدةً لأي درسٍ حياتيٍّ في كل شيء أواجهه فعلياً. والثانية، أن أكون منتبهةً لأقوى آرائي. وحين تبرز قضيةٌ وتكون لديّ استجابة انفعالية، أعرف أن ذلك موضوع جيد، لأنني ستكون لديّ وفرة من الرغبة الاتفعالية لتغذية عملي. وهناك مواضيع معينة أمتلك على الدوام ما أقوله عنها، وهي من النوع المعمِّر أو الدائم الخضرة، بتعبير
آخر.
عن / Medium