لماذا شركة العراق القابضة ؟
العراق
2020/02/23
+A
-A
عبدالحسين الهنين *
في المقال ِالسابقِ (اتفاق الإطار المالي مع الصين و تأسيس شركة العراق القابضة ) تحدثنا عن تطوير هيكل تنظيمي لتنفيذ مشاريع البنى التحتية الكبرى التي من المفترض ان تمول من خلال اتفاق الاطار المالي مع مؤسسة ضمان ودعم الصادرات الصينية ( SINOSHORE) , والهدف هو ضمان الحفاظ على هذه المشاريع وصيانتها وعدم العبث بها وضمان استرداد اموال منها من خلال اجور استخدامها او أي نوع آخر من الجباية.
اقترحنا ان تؤسس شركة قابضة (Shares Holding Company ) تضم جميع هذه المشاريع وان يكون جزءا او كل اسهمها تعود الى الشعب لنضمن هدفا سياسيا واجتماعيا مهما هو ان نوحد العراقيين على المصالح المشتركة بحيث يمتلك أي مشروع مواطنون عراقيون مختلفون في الهويات الفرعية ومن محافظات مختلفة لكنهم متفقون حول الشراكة والربح حيث تذوب حينها القومية والدين والطائفة والتاريخ والجغرافية في المصالح ومجالس ادارات المشاريع وانتظار توزيع الأرباح في نهاية كل عام ،وهي فرصة جيدة لاكتشاف الخبرات والكفاءات التي تحدد النجاح بالربحية المالية والاجتماعية لكل مشروع بدلا عن معايير الألقاب والشهادات الورقية السائدة حاليا. ونتيجة لاهتمام بعض الأخوة بالمقال السابق والذين تواصلوا معي و طلبوا ان أكتب مقالا خاصا عن الشركة القابضة بشكل اكثر تفصيلا, فأني البي الطلب الآن وارجو ان اكون موفقا في ما أكتب .
شركة العراق القابضة التي ندعو الى تأسيسها لتكون مكملا عضويا في ادارة وتمويل مشاريع البنى التحتية التي تمول من صندوق الاعمار المشترك بين العراق والصين واضافة مالية كبيرة من خلال الاكتتاب الداخلي العام هي في الواقع شركة (أم ) يجب أن تبلغ حصتها في كل مشروع ( ميناء الفاو أو طريق المرور السريع مثالا ) قدرا من الأسهم يكون كافيا لضمان السيطرة و التحكم في مجالس ادارات المشاريع ( الشركات التابعة ) وتحديد السياسات التي يلتزم بها كل مشروع لكي تقدم افضل خدمة للمجتمع وتحقيق افضل ربحية للجمهور لكي يعاد تدوير الأموال المستردة في مشاريع جديدة بعد توزيع قدر محسوب من الأرباح الى الجمهور ( المساهمين ) مما يجعل من نشاط نشاط شركة العراق القابضة مقتصرا على الجوانب المالية فقط ، وان لا تقوم بأي نشاط تنفيذي مباشر مهما تنوعت طبيعة واختصاصات مشاريعها ( صناعة, اسكان , طرق, صحة , زراعة وحتى النشاط التجاري .. الخ ) ويكون كامل رأسمال الشركة القابضة مخصصا للمساهمة في رساميل شركات تابعة لها (مشاريع ) حيث يكون شراء الأسهم أو الحصص متاحا لها في هذه الشركات التي تمول من اتفاق الاطار المالي والاكتتاب الداخلي العام واي طريقة أخرى مناسبة , و لذا فان هذه الشركة سوف تمارس سيطرة إدارية ومالية على الشركات التابعة لها رغم ان جميع الشركات التابعة لها ( المشاريع ) تبقى تتمتع باستقلاليتها من الناحية القانونية ماعدا سلطة اتخاذ القرارات الستراتيجية وتحديد التوجهات الكبرى للشركات التابعة , أي ان الشركة ( ألأم ) تحتفظ بسلطة رسم معالم السياسة المالية التي يجب اتباعها من طرف الشركات التابعة لها ، والتي تتعلق مثلا بطرق تمويل استثماراتها مثل اللجوء إلى القروض المصرفية أو المساهمة في سوق الأوراق المالية أو كيفية توزيع الأرباح و ما مقدار الاحتياطي الذي تحتفظ به كل شركة , كذلك توظيف فوائض الخزينة إذا وجدت من خلال إيداعها في حسابات مصرفية موثوقة مقابل فوائد أو تشغيل الأموال في البورصة العالمية , ويمكن للشركة القابضة ان تشتري اسهما في شركات ومؤسسات عالمية معروفة وموثوقة النتائج مثل الأندية الرياضية العالمية و مصافي النفط العالمية وشركات تصنيع السيارات وشركات تكنولوجيا المعلومات والأنترنيت وشركات التواصل الاجتماعي , او أي من الأسهم التي يقررها خبراء الشركة على انها موثوقة وان نسبة المخاطر فيها منخفضة ، وبالمقابل سوف تبقى القرارات التنفيذية تحت سلطة مجالس إدارة المشاريع التابعة التي تصبح شركات مساهمة والتي هي عبارة عن مشاريع طرق وسكك حديد وبتروكيمياويات ومصافي نفط ومستشفيات ومطارات وغيرها من المشاريع العابرة لحدود المحافظات .. ولا تختلف شركة العراق القابضة عن نظيراتها في العالم من حيث القوة والتأثير الاقتصادي لأنها تتميز بقدرتها على تدويل أنشطة شركاتها التابعة، من خلال فتح فروع جديدة لها عبر العالم أو الاستحواذ على شركات توجد خارج حدود بلدانها الأصلية ,و لأن شركتنا القابضة المحتملة تتسم بطابع عالمي ان رغب مجلس ادارتها بعد دراسات معمقة فلها ان تقوم بتوزيع مراحل عملياتها على عدة شركات تابعة لها تنتشر في مناطق مختلفة من العالم، بناءً على خطة شاملة تأخذ بنظر الاعتبار الميزات التنافسية لكل بلد , ولها ايضا قدرة المساهمة في عمليات الاندماج أو التكامل الاقتصادي العالمي و لتجعل العراق متشابك المصالح مع بلدان اخرى بعيدة جغرافيا عنا .
أنها سوف تلعب دورا محوريا في الحياة الاقتصادية والسياسية للعراق بالنظر إلى إمكانياتها الاستثمارية الهائلة، والتي ترجع إلى قدرتها على تعبئة مقادير ضخمة من الأموال وتوظيفها في مشاريع كبرى تتطلب رؤوس أموال كبيرة (المشاريع الصناعية ومشاريع البنية التحتية نموذجا) وبالتالي تعبئة الجمهور العراقي والتفافه حول مصالحه المشتركة التي تتلاشى امامها كل شعارات الطوائف والقوميات والأديان والاحزاب , وإنني اتوقع ان تواجه مقاومة شديدة من زعامات تولدت نتيجة سياسات الفساد والترهل والخراب وذلك لأن الشركة القابضة ستكتسب وزنا سياسيا مهما مما يجعلها مؤهلة للتأثير في صناعة القرار السياسي الوطني والدولي بالشكل الذي يراعي حماية مصالحها ويوافق أهدافها التي يفترض ان تكون مصالح الشعب العراقي وهي ميزة تختلف عن بقية الشركات القابضة ألأخرى في بقية أرجاء العالم .
قد يتبادر الى الأذهان سؤال منطقي هو لماذا الخوض في كل هذه التعقيدات وما الفائدة المرجوة من إنشاء مثل هذه الشركة في العراق ؟, والجواب ببساطة هو أن الشركة القابضة نفسها ستكون محمية من الخسائر في حالة إفلاس إحدى شركاتها، فقد تتعرض لخسارة رأسمالية وتتراجع في القيمة الصافية، لكن لا يمكن للمدينين والدائنين باي حال من الأحوال في الشركة المفلسة التابعة أن يلاحقوا الشركة القابضة والحجز على اصولها واسهمها او اموالها في المصارف ، وذلك لان كل شركة تابعة لها تمتلك مسؤولية مالية وقانونية محدودة، و ان هيكلة الشركة القابضة بهذه الطريقة يمكن أيضا أن يحد من المسؤولية الضريبية ايضا , كذلك تسمح الشركات القابضة للأفراد بحماية أصولهم الشخصية، لأنه لا يوجد امتلاك شخصي للأصول وبالتالي تتحمل الشركة القابضة المسؤولية عن ديونها وهي من تدافع امام الدعاوى القضائية المحتملة وغيرها من المخاطر لأن جميع ألأصول هي ملك الشركة القابضة فقط ولا توجد أصول للأفراد .
و رغم هذا الفصل في المسؤوليات المالية فان الشركة القابضة تمتلك حق توظيف المدراء في الشركات التابعة لها وطردهم اذا لم ينجحوا بتحقيق اهداف الشركة ضمن مدة مقررة وذلك لان مدراء تلك الشركات هم المسؤولون عمليا عن عملياتهم الخاصة.
كذلك تتميز بسهولة تأسيسها و يمكن لأي شخص او جهة او مصرف شراء الأسهم المعروضة في السوق . ولا تشكل موافقة المساهمين عائقا أمام عمليات بيع وشراء الأسهم لأنها غير ضرورية اصلا , بينما تتجنب الشركة القابضة المنافسة مع الشركات أو المشاريع المملوكة لها , بل على العكس يجب عليها ان تدعمها في الأسواق , وتتميز ايضا بميزة اقتصادية هامة وهي الوفورات الكبيرة أو ما يعرف ( Economies of scale ) والذي يعني أن الشركات القابضة يمكن أن تعمل بتكاليف إجمالية منخفضة نسبيا، وتحصل على شروط ائتمان أفضل، و يمكنها ايضا الحصول على مميزات أفضل من الموردين والزبائن, وعادة تكون الشركات الكبيرة قادرة على العمل بنطاق واسع من خلال نشر تكلفة العمل على أكبر عدد من المشاريع والخدمات و لذلك فقد تحتاج قدرا من السرية في خططها الستراتيجية.
و يظهر تصنيف مجلة فوربس ألأمريكية (Forbes ) أقوى الشركات القابضة في العالم حيث يظهر وجود عدة شركات قابضة تنشط في بلدان عربية و في مواقع متفاوتة في هذا التصنيف منها شركة مشاريع الكويت القابضة وشركة المملكة القابضة التابعة للوليد بن طلال و شركة (إزدان ) القابضة القطرية و شركة (غلوبال تيليكوم ) القابضة المصرية التي تنشط في مجال الاتصالات و الشركة الإماراتية (ارابتك ) القابضة التي تنشط في مجال العقارات والإنشاءات, ويتوقع ان تتقدم شركة العراق القابضة جميع هذه الشركات في حال تأسيسها وفق النموذج المقترح لتشكل عاملا اضافيا للعراق في التأثير الاقتصادي والسياسي في المنطقة والعالم .
مستشار رئيس الوزراء*