طرائف انتخابية!

الصفحة الاخيرة 2020/02/25
...

حسن العاني 
اعتقد ان النظام السابق حاول ان يلبس لبوس الديمقراطية، سواء كان ذلك للاستهلاك الداخلي، ام محاولة لتضليل الرأي العام العالمي، والظهور بصورة من شأنها تخفيف الضغوط الدولية على سياساته الدكتاتورية، ومن هنا تم الاعلان في عام لا اذكره من تسعينيات القرن الماضي عن تحديد يوم لانتخاب رئيس للجمهورية، انتخابا مباشراً، لا اظن ان احداً من عراقيي الداخل تخلف عن المشاركة فيه، الا اذا اراد ان تثكله امه، او كان فائضاً على ملاك الاسرة، ولذلك لا عجب ان تطلق السلطة ووسائل الاعلام اسم (الزحف الكبير) على ذلك اليوم!
غير ان الخوف الحقيقي من التخلف عن الذهاب الى صناديق الاقتراع، لم يكن الحالة الغريبة الوحيدة في الانتخابات، بل كان هناك ما هو اغرب، وادعى للضحك، وفي مقدمة ذلك، ان العراقيين جميعهم كانوا أذكياء، بما فيه الكفاية، وعقلاء لا غبار على سلامة عقلهم، بدليل انه لم يظهر بينهم مجنون واحد ويرشح نفسه للرئاسة مقابل المرشح صدام حسين، كما ان هذا المرشح الذي كان يتولى منصب (رئيس الجمهورية) لم يقدم استقالته و(ينزل) الى الانتخابات بصفته مواطنا يتنافس مع الاخرين، ولهذا كانت الصيغة الانتخابية ذات صيغة جديدة، وهي ان يؤشر المواطن على حقل (نعم) او (لا)، بمعنى انه ينتخب صدام او لا ينتخبه، ولو افترضنا ان (15) مليون ناخب اشر على حقل (لا) في الاستمارة الانتخابية، مقابل (15) ناخباً فقط اشروا على حقل (نعم) فان صدام حسين يعد فائزاً على وفق الاعراف الديمقراطية و... وجاءت النتيجة كما هو معروف ومخطط لها سلفاً، حيث حصل الرئيس على 100 % من اصوات العراقيين الذين لم يضعوا اوراقاً في الصناديق، انما وضعوا قلوبهم، على حد تعبير احدى الاغاني التي شاعت
يومها!! غير ان للحقيقة وجهاً اخر، اربكني ودوخ رأسي، ففي مركزنا الانتخابي، حيث يحق لي الحديث، كنت مع افراد اسرتي وابنائي وزوجاتهم، وجارنا (ابو ابراهيم) مع زوجته واشقائه الثلاثة، وكنا نؤلف (15) صوتاً اشرنا جميعنا على مفردة (لا)، فكيف ظهرت تلك النسبة المئوية كاملة غير مثلومة؟! وقد ظلت تلك القضية تؤرقني، وهو ارق سخيف حينها، لأنني كأي بطران كنت اريد ان اعرف في مثل تلك الظروف اين ذهب صوتي، ولماذا لم يحترموه عند اعلان النتائج؟
كان احد المشرفين على العملية الانتخابية في مركزنا، صديقاً قديماً من ايام الجامعة وبيني وبينه من الود والمحبة والثقة، الشيء الكثير، وكان الرجل بعثياً بدرجة (عضو قيادة فرقة) في حزب البعث ، وقد قلت له ذات مرة كلاماً يبدو عابراً، ان نسبة الانتخابات مذهلة، ولم يحصل عليها اي زعيم من قبل!! قال لي وهو يبتسم (والله العظيم انا وحدي غيرت 369 بطاقة من لا الى نعم، وهكذا فعل الرفاق الاخرون، ولكن هذه المعلومة بيننا فقط، دير بالك)، طبعاً (درت بالي) وارتحت بعد ان عرفت مصير صوتي منذ ذلك
الوقت!!