يعد صلاح زنكنة من القصاصين الذين يشار إليهم بالإبداع، يتألق في نسج حكايات قصصه ويلفت الانتباه في رسم شخوصها والتعبير عن هموم الحياة ومسراتها، وإن نافسها بالشعر الذي كان البدء في مسيرته الأدبية .
* عرّف لنا نفسك بكلمات وأسلوب أنت تختاره؟
- تعلمت من المتنبي أنّ الرأي قبل شجاعة الشجعان، ومن سارتر شرف المثقف أن يكون معارضا، ومن إدوارد سعيد المثقف هو المتمكن من قول الحقيقة بوجه السلطة بصلابة وشجاعة وبلاغة وبلا مواربة، ذلك الذي لا يرى حرجا في نقد أيّة سلطة مهما طغت وتجبرت. وتعلمت من صلاح زنكنه أن أكون أنا، متطابقا مع ذاتي الجبارة. هذا هو أنا بكل صراحتي ومشاكستي وصوتي الهادر في قول ما لا يستطيع غيري قوله.
* متى ومن أين بدأت خطوتك الأولى على طريق الأدب؟
- منذ أول دقة قلب لحظة اشتعال وجداني بالجمال، مذ أول دمعة حزن، مذ أول جمرة وعي، كانت البداية خربشات شعرية، ثم انغمست في عالم المسرح قارئا نهما وممثلا فاشلا، ومن المسرح الى القصة حيث سحر الحكاية وبهاء السرد.
* متى دخلت دائرة الشهرة لأول مرة؟
- حين نشرت مجموعتي الأولى كائنات صغيرة سنة 1996، علما أنّ شهرتنا نحن معشر الأدباء ليست شهرة جماهيرية بل شهرة نخبوية.
- ما السحر الذي وجدته في القصة القصيرة لتستمر في كتابتها؟
* وجدت ضالتي في القصة القصيرة بعد أن قرأت مئات المجاميع القصصية العراقية والعربية والعالمية، ورحت أنسج أحلامي عبر خيالي الفنطازي الذي منحني مساحة واسعة من البوح، بوح كل ما يؤرقني ويشغلني في الحياة.
* ألم تغرّك الرواية لتكتبها؟ هل لديك وجهة نظر عنها وقد تحول الكثير من القصاصين إليها؟
- أجزم، بكل غرور، أنا قارئ من الطراز الأول للرواية. أجزم بأنّي قرأت معظم الروائيين الأفذاذ، بدءا من تولستوي ودستيوفسكي وغوركي، ومرورا بمورافيا وماركيز وكونديرا ونجيب محفوظ وحنّا مينا وعبد الرحمن منيف، وانتهاءً بالروائيين العراقيين من غائب طعمة فرمان والتكرلي والركابي، الى وارد بدر السالم، إلّا أنّني لم أنجر الى ممارسة هذا الفن المذهل كون كل هؤلاء علموني أنّ الرواية ليست فنا سهلا وكتابة مذكرات بائسة.
* ما السر وراء اهتمامك بالنصوص الشعرية ولم تكن شاعرا؟
- بداياتي الأولى كانت شعرية، إلّا إنّ كتابة القصة سرقتني، علما إن الشعر سيّد الأنواع الأدبية شئنا أم أبينا، وقراءاتي الشعرية قد تفوق قراءتي الأخرى، وقد عدت بخفّي حنين الى الشعر حين صرت على عتبة الخمسين وأصدرت مجموعة (هذا الولد مولع بالنساء) وتحت يديّ ثلاث مجاميع شعرية أجزم أنّها لا تشبه السائد.
* لماذا انقطعت عن كتابة المسرحيات على الرغم من أنّها كانت من اهتماماتك الأولى؟
- طلقت المسرح كتابة وتمثيلا ما إن بدأت خطواتي الأولى في مضمار القصة. القصة والمسرحية عالمان متجاوران متداخلان متعانقان، وقد تم تحويل قصتين لي الى المسرح.
* ما رأيك بالقصة القصيرة جدا ولماذا لم تكتبها؟
- القصة القصيرة جدا مصطلح فضفاض لا يستهويني خاصة تلك القصص ذات السطر والسطرين. أنا أمارس كتابة الأقصوصة التي لا تخلو من الشخوص والحدث والزمان والمكان لكنها كثيفة واخزة دالة تشبه الى حد بعيد قصيدة النثر.
* اعترضت ذات مداخلة لك على ما سميته (التلفيق الاجتماعي) لماذا على القاص أو الروائي ألّا يكون كذلك؟
- التلفيق الاجتماعي الذي عنيته يكمن في بعض الروايات التي هي عبارة عن مذكرات مزيفة وسيرة ذاتية بائسة وخليط من الثرثرة والشتائم. كلاهما فلكان متنافران متضادان متناقضان، الحب مرادف للحياة والجمال والسلام، والحرب مرادف للموت والكراهية والعنف، كلاهما يفجران المشاعر المختلفة، وهما محوران وإيقونتان شغلتا الشعراء والكتاب والفنانين على حد سواء وعبر كل العصور.
* متى شعرت أنك لا تريد الكتابة واعتزالها؟
- بعد الأربعين من العمر شعرت ولأول مرة بلا جدوى الكتابة، وفعلا توقفت عن الكتابة زهاء عشر سنوات، ثم عدت القهقري لما شدني الحنين لسحر البوح والكلمات.
* أشعر أنك على قلق دائم، لماذا؟
- أنا كائن قلق، قلقي قادني الى الشك بكل الثوابت، والبحث عن كينونتي بين مطبات الحياة الوعرة فتشاكلت مع المتفق عليه وقداسته منذ بواكير ارهاصات الوعي الأولى ووليت الأدبار بعيدا عنه، لكنه ظل يلاحقني في حلي وترحالي وكلما أبحث عنه بهوادة لا أجده كسائر البشر القنوعين المطمئنين.
* كيف ترى العلاقة بين النقد وكتاباتك؟
- شخصيا كتب عن نصوصي القصصية تحديدا أكثر من مئة مقالة ودراسة وشهادة لو جمعتها قد يشكل كتابا فخما حول تجربتي القصصية، فضلا عن الأطاريح الأكاديمية التي تناولت بعضا من جوانب اشتغالاتي السردية.
* ما أهم رأي قيل في تجربتك القصصية؟
- آراء وشهادات كثيرة لا تعد ولا تحصى قيلت عن كتاباتي من لدن عشرات النقاد والكتاب والشعراء: فاضل ثامر، عبد الستار ناصر، أحمد خلف، أمجد توفيق، برهان الشاوي، د. نجم عبد الله كاظم، و د. فاضل عبود التميمي على سبيل المثال لا الحصر، وثمة كتاب للصديق الناقد سمير آغا (البناء السردي في القصة القصيرة .. دراسة في قصص صلاح زنكنه) صدر بطبعتين عن دار أمجد في عمان.